هذه مصر التي نحبها كبيرة كما نريد لاننا نكبر بها ونكبر معها ، هذه مصر عمق الحضارة المتراكمة عبر العصور تعود لدورها وتنتفض على من كرسوا تصغيرها وعقودا سوداء ها هي تعود لحجمها وريادتها لامتها ، تعود في لحظة يأس وقنوط وشبه تلاشي للنظام العربي.
عادت مصر لتملأ الفراغ الذي كانت تتنافس القوى الاقليمية الاخرى "اسرائيل وايران وتركيا" على التمدد فيه على حساب العرب الذين يرزحون تحت كوابيس الحملة الاستعمارية الجديدة.
تعود مصر من هوة حكم الفراعنة الطغاة الى ريادة امتها وتستلهم من كتاب الله قوله تعالى: "وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" وقوله تعالى: "ان فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين انه كان عاليا من المسرفين" وقوله تعالى: "ان فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا".
هذه مصر التي تعود الى تاريخها ومكانتها بتضحيات شبابها وهي كما يقول الجواهري:
لثورة الفكر تاريخ يحدثنا
بأن الف مسيح دونها صلبا
وهي مصر التي ما قدرناها حق قدرها الذي انتقصه وصغره الطغاة ، لكنه لم يحجب ايماننا باستعادة مصر لحجمها ، وكما يقول سعيد عقل:
اذا لم نزن مصر وزن الحق يبقى دم
على الضمير ويبقى ان يُراق دمُ
انها ارادة الحياة العربية الحديثة لانسانية العرب وطموحهم التي تتردد عبر قول الشاعر التونسي الشابي:
اذا الشعب يوما اراد الحياة
فلا بد ان يستجيب القدر
وقد استجاب القدر اولا في تونس وكانت ثورتها ملهمة لثورة مصر التي ستقود الامة الى مشارف الغد.. كان الشابي يتحدث عن ارادة الشعوب كقانون وحقيقة ثابتة في الحياة وهذه الارادة لا تتحقق الا بالتضحيات واقتحام المخاطر وعدم الاعتراف بالمستحيل ومثاله الرائع اليوم هو عندما خاض شباب تونس ومصر وعلى خُطاهم كل شباب الامة على درب افتداء الوطن بالروح.. او كما يقول الشابي:
يود الفتى لو خاض عاصفة الردى
وصدّ الخميس المُجر والأُسدُ الوردا
ليدرك امجاد الحروب ولو درى
حقيقتها ما رام من بينها مجدا
فما المجد ان يُسكرَ الارض بالدما
وتركب في هيجائها فرسا نهدا
ولكنها ان تصد بهمة عن العالم
المرزوء فيض الاسى صدّا
ولعل في كلمات الشابي الملهمة للشباب بالنهوض بدورهم في الصد عن العوالم العربية الشقية المرزوءة ما يجعل مما حدث في تونس ومصر اكثر من قصيدة وحلم ونبوءة للشابي لان ما جرى بات حقيقة جميلة بل هي كما يقول الفرنسيون "اجمل من ان تكون حقيقة".
(الدستور)