لو سألت أي مواطن عن سعر سلعة لكانت إجابته قريبة من الحقيقة او الحقيقة ذاتها، فنحن مغرمون بمعرفة سعر الاشياء, حتى على مواقع التواصل نسأل عن السعر، حتى بات كم السعر اكثر الاسئلة ادراجا، فبات التسليع ثقافة سائدة وسلوكا محميا بالاعراف والقوانين, فحتى النشرة التعريفية التي تصدرها الجهات الرسمية تعتمد السعر للسلع, في حين ان ثقافة الاعتماد على الذات وسلوكيتها تتطلب معرفة قيمة الاشياء وليس سعرها, فالاسعار ليست دائما تكشف قيمة الاشياء, فكل شيء عند حاجته ترتفع قيمته اضعاف سعره, فكمشة الملح ربما يكون سعرها منخفضا لكن قيمتها عالية وقد تفسد مائدة كلفتها السعرية عالية جدا لذلك لا يفسد الملح لأن اهميته في قيمته وليس في سعره.
منذ انكسار اشعة القيمة على سطح السعر والتسعير, بحكم تسليع الانسان ومكانته داخل منظومة الحياة الرسمية والاجتماعية, تراجعت المنظومة الاخلاقية والضوابط الذاتية ونكاد نرى انهيارا هائلا على كل المستويات, فقيمة الانسان تراجعت وبات سلعة قابلة للتثمين, فنحن نحسب اسعار الزواج من الفرقة الى الصالة الى التلبيسة الى باقي العملية الحسابية ولا نضع ادنى قيمة لمفهوم الاسرة والارتباط فكثرت ظاهرة الطلاق بالتوازي مع ظاهرة العنوسة عند الجنسين, ونتعامل مع معظم تفاصيل حياتنا من خلال السعر وليس القيمة حتى في الانتخابات النيابية حيث ترتفع أسعار الصوت وتنخفض قيمة الناخب.
اليوم الرأي العام قد يصبح مجرد ارقام، حين يسهل شراء الصوت وشراء الذمم الا لمن يعترف بقيمته الانسانية اولا وآخرا, وهذا كان سائدا طوال عقود مضت قبل شيوع الاستهلاك والتشييء اي تحويل الانسان الى شيء او مجرد كائن يسير على قدمين.
طالما ان الاختلال موجود بين السعر والقيمة, فإن كل محاولات الاصلاح تبدو ضربا من الخيال, فالعلاقة بين المواطن والوطن ليست علاقة سعرية كما هي الحال اليوم, بل هي علاقة قيمية, محكومة بالقيمة وليس بالسعر, وما نشهده اليوم في شوارعنا وحاراتنا ومدننا ومخيماتنا واريافنا هو تعبير عن المعادلة المقلوبة, حيث السعر يفوق القيمة ويصبح تقييم الانسان محكوما بسعره من خلال سلسلة مفاتيح, تبدا من سعر مفتاح السيارة ومفتاح الفيلا او الشقة ومفتاح القاصة الى آخر المفاتيح في سلسلته, ويفقد قيمته تماما عند اختلال المفاتيح في السلسلة, او تراجع سعره الوظيفي ورتبته الوظيفية فالجالس على المقعد يحظى بكثير توقير مقابل المتقاعد.
اعادة الاعتبار لمفهوم القيمة على حساب السعر هو الخطوة الاولى لانجاح اي مجتمع ولإعلاء قيمة الاعتماد على الذات, فكلما زاد اكتفاؤك زادت قيمتك والاعتمادية على الذات تتطلب انتاج ثقافة القيمة من الصف الاول الابتدائي الى اخر السلم, وتعميق ثقافة التعلم على حساب التعليم والتشغيل على التوظيف واحترام الانسان كقيمة بشرية وليس كدافع ضرائب, فنحن الآن نقوم بتسعير المواطن حسب ضرائبه وليس حسب قيمته, فتعمقّت ظاهرة مراكز القوى وسطوة اصحاب المال على اصحاب القول ودون تعديل المعادلة لن نحقق النجاح المأمول.
omarkallab@yahoo.com
الرأي