أرمينيا لن تكرر مشهد أوكرانيا ولا جورجيا
د.حسام العتوم
30-09-2023 10:41 AM
يصعب القول بأن أرمينيا ( هايك ) الدولة المستقلة عن الإتحاد السوفيتي كما أذربيجان باتت غاضبة لدرجة التفكير بتحويل بوصلة سياستها الخارجية صوب الغرب و حتى تجاه " الناتو " بسبب رفع روسيا الإتحادية يدها و رغم تواجدها العسكري فيها عن قضية ضم إقليم " ناغورني كاراباخ - أرتساخ " لسيادة أذربيجان مؤخرا و حديثا هذا العام 2023 ، وهو المتنازع عليه بين أرمينيا و أذربيجان منذ ثلاثين عاما ، فالموقع الجيوسياسي و الإستراتيجي لأرمينيا حساس جدا بسبب قربه من روسيا الإتحادية ومن أذربيجان ، و درس جورجيا – سأاكاشفيله عام 2008 و أوكرانيا عامي 2014 و 2022 و حتى الساعة قاس و معبر ، و يعطي إشارات تجاه متانة الموقف الروسي من كافة الأحداث الجارية ، و الموقف الدولي شائك أيضا خاصة بعد إندلاع العملية الروسية الخاصة بتاريخ 24 / شباط / 2022 و إجتياحها لمنطقة " الدونباس " الأوكرانية السابقة ، و بعد ضم روسيا سابقا لإقليم " القرم " عام 2014 ، و أرمينيا ليست كازاخستان و لا بيلاروسيا من حيث القوة الإقتصادية و العسكرية ، و الجيش الروسي مرابط وسط أرمينيا رغم عدم تدخله مباشرة في حدث " غورني كاراباخ " ، و قوات حفظ السلام الروسية تقدم المساعدات الإنسانية لأرمينيا و لنازيحيها ، و لا تصغي روسيا لأصوات التشكيك في المقابل ، بحدوث شرخ في العلاقات الروسية الأرمنية بعد مسألة " كارابخ " ، و انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية ومع " الناتو " بالوكالة جعلها تغض الطرف عن الأجتياح الأذري للكاراباخ ، وأن لا تعطيه أهمية أكبر من حجمه .
ما يجري الان على الأرض بين أذربيجان و أرمينيا هو تطبيع للعلاقات الخارجية بجهد منفصل لكل من روسيا العظمى و الولايات المتحدة الأمريكية ، و لفرنسا بإسم أوروبا ، ووحدة الأراضي الأرمنية أصبحت تعني أرمينيا من دون إقليم " الكارابخ " ، و الأراضي الأذرية غدت تعني أذر بيجان و غورني كاراباخ ، و حراك العلاقات الروسية – التركية الإيجابية ساهم في صناعة النصر الأذري التاريخي ، و المعروف بأن روسيا إقتربيت كثيرا في الفترة الأخيرة من تركيا في موضوع صفقة الصورايخ الدفاعية C400 ، و في السياحة و ناتجها الملياري الدولاري ، و في موضوع تحريك إتفاقية الحبوب و السماد الروسية – الأوكرانية عبر تركيا ، و حول موضوع تمرير مادة الغاز إلى أوروبا عبرها أيضا ، و إعطاء مجال لتركيا لتلعب دور الوسيط مجددا بين روسيا – موسكو و أوكرانيا – كييف للوصول إلى سلام ما بعد إتفاقية " مينسك " التي تجاوزها الزمن ، و رغم أن الحرب الأوكرانية لم تنتهي بعد و يراد لها في الغرب الأمريكي أن تحول إلى نار خالدة ، و تريد لها روسيا أن تحقق هدف عمليتها العسكرية المتمثل في تطويق و سحق التطرف الأوكراني البنديري و منه السلطوي ، إلا أن حرب " الكاراباخ " إندلعت و لا زالت أثاراها سلبا و إيجابا ماثلة حتى يومنا هذا ، و سبق لروسيا أن حمت أرمينيا و الكارابخ عبر ثلاثة عقود زمنية خلت ، و أن أوان تثبيت أحجار السياسة و الأقتصاد بين روسيا ، و أمريكا ، و باقي دول الغرب ، و الصين ، و إيران ، و أرمينيا ، و أذربيجان ، و تركيا ، في أماكنها .
تمثل أرمينيا منطقة حيوية وسط أوروبا الشرقية و أسيا الغربية ، وهي بلد الأستثمار المفتوح ، و تتربع على المركز ( 38) بين ( 190 ) دولة على مستوى البنك الدولي ، و لديها إتفاقية طاقة شمسية كبيرة مع أبو ظبي منذ عام 2023 ، و علاقة أرمينيا مع إقليم غورني كاراباخ عاطفية و تاريخية ، لكن التاريخ لا يتعامل مع العاطفة ، و أعاد الأقليم لمكانه الطبيعي و أعتبره جزءا من أذربيجان ، و الصراع حوله قديم منذ القرن 19 ، بعد معاهدة ( جولستان ) للسلام عام 1813 ، ومعاهدة ( تركمانجباي ) عام 1828 بين الأمبراطوريتين الروسية و الفارسية ، و تمكن الأتحاد السوفيتي عام 1917 بعد الثورة البلشفية من توحيد صفوف أذربيجان و أرمينيا تحت لواءه ، و التاريخ الحقيقي لإرتباط غورني كاراباخ بأذربيجان يعود لتوجه قاده الزعيم السوفيتي الجورجي الأصل جوزيف فيسيريونافيج ستالين ، لكن الأرمن طالبوا بإستقلاله عامي 1987 و 1988 ، و تطور الطلب إلى صراع ميداني مع إنهيار الأتحاد السوفيتي عام 1991 ، و شكل إغلاق ممر ( لاتشين ) من طرف أذربيجان صعد الأزمة ، و أعتبرت كافة الوساطات الدولية بما فيها الروسية و الأمريكية ، و الغربية ، و التركية غير محايدة ، و امتلك الصراع بين أرمينيا و أذربيجان إتفاقية تحت إسم ( مينسك ) عاصمة بيلاروسيا عام 1992 ، و التي تكرر إسمها بين روسيا و أوكرانيا و بمشاركة فرنسا و ألمانيا ، و لم تنجح الأولى و لا الثانية .
ولقد اعتبر الرئيس فلاديمير بوتين قضية ضم أذربيجان لإقليم كاراباخ في تصريح حديث لسيادته ، بأنه مرتبط بإستقلال أذربيجان عن الأتحاد السوفيتي عام 1991 ، و استمرت روسيا في معالجة الأزمة الإنسانية التي نجمت عن عملية الضم عبر نزوح أعداد كبيرة من الأرمن تجاه وطنهم الأصيل ، و روسيا اليوم ، و التي هي مستقلة و عظمى ، تتقدم المنظومة السوفيتية السابقة ، و لديها إتفاقية دفاع مشتركة معها حتى على المستوى النووي العسكري ، خاصة بعد تفكك ليس الأتحاد السوفيتي عام 1991 وإنما حلف ( و ارسو ) العسكري الشرقي أيضا الذي تأسس عام 1955.
وشخصيا أعتقد بأن عملية ضم الكاراباخ بقوة السلاح من قبل أذربيجان ستضفي على الأقليم صفة الديمومة في الأطار الأذري ،ولن تعود الأمور لمد و جزر و كر و فر بين أرمينيا و أذربيجان ، و روسيا كما تركيا تحديدا يشكلان الحاضنة الضامنة ، و أصوات أمريكية غربية و حتى إيرانية تدفع بنفس الأتجاه ، و من يعتقد بأن الحرب ( الروسية – الأوكرانية – و مع ( الناتو ) بالوكالة ) إستنزفت روسيا أكثر من أوكرانيا ( كييف ) ، و أكثر من دول الغرب و (الناتو) بقيادة أمريكا يخطئ ، لدرجة أن روسيا لغاية الان تعتبر الحرب عملية عسكرية محدودة خلف الحدود و على الأطراف ، و هي أصبحت الان مشغولة بإعادة البناء إلى جانب العملية الروسية الخاصة ، و حققت نجاحات عسكرية كبيرة في (القرم والدونباس) و عبر صناديق الأقتراع ، و ما خسره الغرب بعد توريط أمريكا له من مال و سلاح حديث و بحجم زاد عن 200 مليار دولار يدفع من خزائن الغرب مجتمعا ، و ( كييف – زيلينسكي ) المدللة في الغرب تطلب المزيد ، و أصبح الرئيس زيلينسكي الحاكم الرسمي للغرب الأمريكي ، و أصبح الغرب نادلا في بلاط سيادته ، وكل هذا وذاك لم يعيق تفرغ روسيا لتفكيك مشاكل الأقليم الكبير السلافي و السوفيتي السابق ، و نجحت روسيا أكثر بتشكيل عالم متعدد الأقطاب مثل شرق و جنوب العالم ،و اهتمام روسي خاص بعدالة القضية الفلسطينية الواجب أن تجد مخرجا أمنا يضفي لحل الدولتين و لترجمة حقيقية عادلة لقرار الأم المتحدة 242 الذي يطالب ( إسرائيل ) بالعودة إلى حدود الرابع من حزيران لعام 1967 .