تمتين الجبهة الداخلية في مواجهة الأخطار الخارجية
د.زهير أبو فارس
29-09-2023 05:54 PM
في خطابه الاخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة كان جلالة الملك واضحا وصريحا حين وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالتحديات الخارجية والاخطار التي تهدد بلدنا ومصالحه الوطنية العليا ، وبخاصة تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية وغياب أية آفاق واضحة لحلها ، خاصة مع حالة الاستعصاء التي فرضتها سياسات وممارسات اليمين الصهيوني الديني الذي يدير اكثر الحكومات عنصرية وتطرفا منذ تأسيس الكيان الاسرائيلي وحتى الآن ، ضاربا عرض الحائط بكافة قوانين وقرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات والمعاهدات المبرمة ، بل ويتمادى في سياساته العدوانية وفرض واقع يستحيل معه إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة من خلال توسيع الاستيطان والاستيلاء على معظم الاراضي الفلسطينية، والإعلان بوقاحة صريحة عن أطماعه التوسعية في بلادنا ومحاولاته تحقيق أهدافه الاستعمارية على حساب الأردن.
وفي الجانب الشمالي من الحدود يواجه بلدنا خطرا آخر بات يشكل تهديدا حقيقيا لنا من جهة الشقيق الذي فتح الأردن حدوده لاستقبال المليون ونصف من أشقائنا الذين وجدوا في بلدنا الملاذ الآمن لهم ولعائلاتهم بسبب الحرب والقتل والدمار الذي حل في سوريا الشقيقة .
وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها الأردن على كافة المستويات الثنائية والاقليمية والدولية لإيجاد حل للمشكلة السورية ،القائمة على مبادئ وحدة التراب السوري ، والتوصل إلى التوافقات الداخلية، وتوفير الظروف الملائمة لعودة اللاجئين إلى ديارهم بما يضمن الحياة الحرة الكريمة لهم ولعائلاتهم، على طريق عودة سوريا إلى حضنها العربي ، وتخليصها من أية تدخلات خارجية في شؤونها الداخلية . إلا أن الجهود الأردنية المشهودة في هذا المجال ، والصعوبات الهائلة التي يواجهها بسبب مشكلة اللجوء ، وتخلي المجتمع الدولي عن المساعدة في تحمل الاعباء ، لم يقابل بما يستحقه من تفهم واهتمام ، بل كان الرد هو المزيد من خلق الفوضى على الحدود ، واغراقنا بالمخدرات والسلاح ، واستخدام مختلف الوسائل لتعطيل أية محاولات للحل ، بما فيها المبادرة العربية الأخيرة ،والتي كان للدبلوماسية الأردنية الدور الابرز في إنجازها. إن هذا الواقع الخطير فرض على بلدنا إتخاذ الإجراءات والترتيبات الضرورية لحماية أمنه، والتي تستنزف الكثير من من امكاناتنا العسكرية والامنية والاقتصادية، ناهيك عن التكاليف الهائلة لتداعيات مشكلة اللجوء، والتي -على ما يبدو - مؤهلة للمزيد من التعقيد والتفاقم في حال استمرت حالة التوتر وعدم الاستقرار التي نشهد فصولا جديدة لها ، وبخاصة بعد أحداث السويداء والجنوب السوري الأخيرة.
من هنا ، ومن كل ما تقدم ، فإن بلدنا يواجه مخاطر وتحديات حقيقية تتطلب مواجهتها حشد كافة الجهود والطاقات الشعبية والرسمية ، من خلال بناء جبهة داخلية صلبة قادرة على مواجهة الخطر الوجودي الأهم، والمتمثل في الاطماع الصهيونية التوسعية ، والدفاع عن حدودنا ومصالح وطننا العليا . وهذا يستدعي بالضرورة تنحية الخلافات والصراعات جانبا من أجل الهدف الأسمى - وهو حماية الأردن كأولوية مقدسة. وشعبنا الاردني الأبي، وبوعيه المشهود وانتمائه لترابه ، على أتم الاستعداد للدفاع عن الوطن الاعز ، الذي نفتديه بالمهج والارواح.
إنها دعوة خالصة لكافة قوانا ومكوناتنا الاجتماعية ونخبنا السياسية والفكرية، مهما اختلفت مواقفها ومشاربها في المعارضة والموالاة ، واولئك الصامتون الذين يراقبون المشهد على الرصيف .. الالتفاف حول المشروع الوطني الشامل للإصلاح الذي يرعاه جلالة الملك ، وترسيخ حالة عامة من التوافق الوطني حول برنامج الدولة الاردنية والمواقف التاريخية من مختلف القضايا العربية ، وخاصة القضية الفلسطينية، والموقف الصلب لجلالة الملك ، من انه لاحل الا حل الدولتين ،وإقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران لعام ١٩٦٧ . كما ان الوحدة الداخلية هي أساس وضمان قوة الأردن، وفي الوقت ذاته، الوقوف بوجه تيار التشكيك الرامي الى زعزعة ثقة الأردنيين بانفسهم ودولتهم وحكوماتهم.ان كل ذلك لكفيل بمواجهة الأخطار التي تحدق بنا جميعآ ، للحفاظ على الأردن القوي ومصالحه العليا .
*عضو مجلس الاعيان الاردني