مسوغات استثناء الحقوق العمالية وبدلات إيجار العقارات من منع الحبس
المحامية شروق النوافلة
29-09-2023 12:44 PM
استهدف المشرع في قانون التنفيذ استثناء الحقوق العمالية وبدلات إيجار العقارات من منع الحبس وذلك حمايةً لحقوق أو مصالح يرى (المشرع) أنها جديرة بالحماية ، وإن إستثناء الحقوق العمالية من عدم جواز الحبس هو من الضمانات ومن صور الحماية التي قررها المشرع للعامل في مرحلة التنفيذ من خلال الإبقاء على الحبس كوسيلة من وسائل التنفيذ الجبري بإعتبار أن الحبس من أكثر الوسائل جدوى في قهر المدين على التنفيذ على أرض الواقع، وتُشكّل هذه الضمانة إلى جانب مبدأ "الحق الأفضل" الذي قرره قانون العمل وأرساه حمايةً لحقوق العامل المترتبة له أيّاً كان مصدرها المظلة القانونية لحماية العامل باعتبار أن العامل وبالإستناد إلى الفرضية التشريعية هو الطرف الأجدر بالحماية لأسباب واعتبارات متعددة، لذلك تتجلّى الحاجة في أغلب العلاقات العُمالية إلى تقرير الحماية القانونية للعامل الأمر الذي يقتضي صياغة القاعدة القانونية والُحكم القانوني بما يتلاءم ويُلبي حاجة غالبية العلاقات العمالية وبالنتيجة إيجاد التوازن بين المراكز القانونية ، أما بالنسبة لبدل إيجارات العقارات، إذ قد تكون الغاية بنظر المشرع من إستثنائها من عدم جواز الحبس باعتبار أن بدلات الإيجار قد تشكل مصدر الدخل الرئيسي للمعيشة بالنسبة للبعض إلى جانب أنها من الحقوق الدورية إذ يسعى المشرع دائماً إلى الحفاظ على استقرار المعاملات والمراكز القانونية لذلك أقرّ بالنسبة لبدلات الإيجار التقادم الخمسي أي عدم سماع دعوى المطالبة بهذه الحقوق بانقضاء خمس سنوات رغبةً من المشرع في منع تراكم هذه الديون على المدين وتعذر سدادها إلا من خلال التصرف في رأسماله وفي هذا أبلغ الضرر للمدين، الأمر الذي حدا بالمشرع بالمقابل وحمايةً لحق الدائن في هذه الحقوق الدورية إقرار الحُكم القانوني في إستثنائها من عدم جواز الحبس ، وتبدو الحكمة والعلة التي استوجبت الحكم القانوني جليّة في هاتين الحالتين (الحقوق العمالية وبدلات إيجار العقارات) دون باقي النزاعات والحقوق التي تنشأ عن عقدي الإيجار والعمل حيث لا يمكن تفسير النص القانوني بمعزل عن البحث في الغاية والعلة التي دعت له، ونجد أن المشرع لو أراد أن ينصرف حكم النص القانوني إلى أي نزاع ينشأ عن عقدي الإيجار والعمل على الإطلاق والعموم حسب نص المادة 22/و/1 من قانون التنفيذ لما عاود في نص المادة 23/ب/3.
وحدد وخصص أي الحقوق المستثناة من عقدي الإيجار والعمل من عدم جواز الحبس إذ تنص المادة 22/و/1على: " لا يجوز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي باستثناء عقود ايجار العقار وعقود العمل" وتنص المادة 23/ب/3 على" لا يجوز حبس المدين إذا قل مجموع الدين المنفذ أو المبلغ المحكوم به عن خمسة آلاف دينار ما لم يكن بدل ايجار عقار أو حقوق عمالية" لذلك فإننا نرى أن حكم نص المادة 22/و/1 حُكم عام ويُغني بالنسبة للحقوق العمالية وبدلات إيجار العقارات عن حكم نص المادة 23/ب/3 الأمر الذي يدل على أن المشرع (أراد) بالنص اللاحق تحديد وتخصيص وتوضيح أي الحقوق المستثناة من عدم جواز الحبس على الوجه المبين حيث أن (النص الخاص يقيد النص العام) لكن المأخذ على هذه النصوص أنها لم تكن مُحكمة الصياغة الأمر الذي نتج عنه تكرار الحكم القانوني بصورة تثير اللُبس عند التطبيق، كما أن تحديد وتخصيص الحقوق العمالية من (عقود العمل) وبدل إيجارات العقارات من (عقود الإيجار) جاء بتسلسل مرتب؛ إذ نُلاحظ أن حُكم المادة ٢٢/و/١ من قانون التنفيذ يسري "بعبارة النص" الصريحة على عقود الإيجار وعقود العمل على وجه الإطلاق والعموم لكن؛ لمّا كانت أصول التفسير القانوني السليم تقتضي قراءة النصوص التشريعية كوحدة واحدة ، فإنه وباستقراء نص المادة ٢٣/ب/٣ نجد أن هذا النص (لاحق) من حيث الترتيب والتسلسل على حُكم المادة السابقة وأتى على تحديد وتخصيص أيّ الحقوق الناشئة عن عقد الإيجار وعقد العمل التي يسري عليها الحُكم القانوني(في الإستثناء من عدم جواز الحبس) الأمر الذي يدل بوضوح على قصد المشرع في إستثناء بدلات إيجار العقارات والحقوق العمالية فقط من عدم جواز الحبس ومما يُدلل على هذا القصد نص المادة 22/و/ 2
"و.1- لا يجوز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي باستثناء عقود ايجار العقار وعقود العمل.
2- تسري أحكام البند (1) من هذه الفقرة بعد مرور ثلاث سنوات على تاريخ نفاذ أحكام هذا القانون ." إذ لو أراد المشرع أن يستثني بدل إيجار العقار والحقوق العمالية(من المدة المحددة لسريان النص القانوني بعد ثلاث سنوات) دوناً عن باقي الحقوق الناشئة عن عقدي الإيجار والعمل ويجعل سريان حُكم النص القانوني بالنسبة لهما بشكلٍ فوري لأورد ذلك في البند (2) من الفقرة (و) من هذه المادة بشكل صريح لأن المشرع إذا أراد قال وإذا أبى سكت ، وبعد سريان هذا النص بعد مضي المدة المذكورة ستُقرأ النصوص القانونية متضمنةً النتائج التي أوضحناها في هذا المقال وأن ما أورده المشرع في المادة 23/ب/3 ما هو إلا تخصيص للحقوق المستثناة على الوجه المبين وكون هذا النص استثناء فلا يجوز التوسع في تفسيره، وبالنتيجة يُقصَر تطبيق حكم المادة على بدلات الإيجار والحقوق العمالية دون أي نزاع آخر ينشأ عن عقود العمل والإيجار ، أي تكون النزاعات الأخرى الناشئة عن عقدي الايجار والعمل مثل الحقوق التي تنشأ لصاحب العمل في ذمة العامل خاضعة للحكم القانوني في عدم جواز الحبس فيها.