تؤكد الحوارات التي تشهدها الساحة الاردنية، تتويجا لنهج الاصلاح السياسي الذي يمثل عنوان المرحلة على توفر الارادة السياسية بضرورة تفعيل المنابر الديمقراطية بكل ما تحمله من اراء وافكار وطروحات تعكس وجهات نظر الاطياف والفعاليات السياسية والمجتمعية حيال الاحداث والقضايا الوطنية المختلفة، تجسيدا لمفهوم المشاركة الشعبية في التعاطي مع المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهامة التي تهم الوطن والمواطن. اذ تمثل هذه المشاركة جوهر عملية الإصلاح السياسي بوصفها النشاط الذي يرمز إلى مساهمة المواطنين ودورهم وتأثيرهم في وضع السياسات وإدارة الشؤون العامة. ما يتطلب مأسسة هذا النشاط والارتقاء به إلى مستوى العمل المؤسسي وتكريسه في إطار بنية ديمقراطية. بما يضمن تأطير العمل السياسي بين الافراد والقوى والتيارات المختلفة حول سلطة صنع القرارات واتخاذها بأطر وآليات مؤسسية.
ولا شك بان اثراء المشهد الوطني بهذا الحراك الحواري الذي يسمح بتعدد قنوات الفكر والنقاش وتزويد صانع القرار بقاعدة بيانات وافكار ومعلومات تعكس نبض الشارع وتوجهاته، كفيل بتوفير اجواء من الرضا العام عن السياسات والقرارات الرسمية المتخذة التي يتوقع ان تأتي متوافقة مع رغبات الناس وتطلعاتهم واحتياجاتهم.
ولان جلالة الملك عبد الله الثاني يمثل القدوة والمثل الاعلى في تكريس ثقافة الحوار في المشهد الاردني، فان المطلوب من الجهات الرسمية المعنية بملف الاصلاح السياسي السير على هذا النهج الملكي والاقتداء به كمنارة توجيهية من اجل ترجمة الرؤية الملكية الاصلاحية التحديثية والتطويرية الشاملة نحو تعزيز المسيرة الديمقراطية وتوفير الاجواء والضمانات القانونية لممارسة الحقوق والحريات العامة.
ان السماح بفتح قنوات حوارية والتعاطي معها كمنابر مشاركة وتعبير عن الراي في القضايا الوطنية المطروحة من شأنه ان يثري عملية الاصلاح بالافكار البناءة او على الاقل اعطاء تصور عن الشيء القادم، بشكل يفيد في طرح اي سيناريوهات او سياسات مستقبلية وبما يخدم المصالح الوطنية. لذلك جاء الاهتمام الملكي بتوصية الحكومة حول آلية حوار وطني شامل ممنهج، تتمثل فيه جميع مكونات مجتمعنا واطيافه للتوافق على قانون انتخاب جديد يعزز الهوية الوطنية الجامعة، ويسهم في تطوير العمل السياسي الحزبي الجماعي، بحيث يكون التنافس على خدمة الوطن والمواطن على اساس الافكار والبرامج.. وبما يضمن اعلى درجات المشاركة الشعبية في صناعة القرار. ما يؤكد مرة اخرى على ان عملية الإصلاح بوصفها أبرز أدوات العمل السياسي لن تكون فاعلة دون إطار ثقافي يساعد على ترسيخ قيم ومبادئ الممارسة الديمقراطية، بحيث ترتقي الى مستوى قواعد وأسس العمل الديمقراطي بمبادئه وقيمه ومضامينه التي ترتكز على الإيمان بالمواطنة وما يترتب عليها من حقوق وامتيازات واعتبارات انسانية كالمساواة والعدالة والمشاركة.
(الرأي)