حكومة عادية في زمن أكثر من عادي
11-02-2011 12:54 PM
ابتداء ، لا بد من الإشارة الى ان رئيس الحكومة الجديدة السيد معروف البخيت هو اخ وصديق وهو مثال للدماثة والمودة والكياسة وكل السجايا الشخصية التي ترفد الصداقة وصلات المعرفة الايجابية ما بينه وبين الناس ، لكن متطلبات وشروط رئاسة الحكومة في هذا الزمن الصعب والغامض والمتفجر تتطلب ما هو اكثر من الصفات الشخصية الحميدة.
وفي التفاصيل لا بد من طرح عدة تساؤلات حول المشاورات وابرزها إعلاء سقف التوقعات بشأن تشكيل الحكومة والجو الدعائي غير المسبوق على مدى 9 ايام حيث أجرى الرئيس المكلف اتصالات ماراثونية ومكثفة على مدار الساعة والتي حملت ايحاءات غير دقيقة بأنه يتفاوض ويناقش ويحاور قوى سياسية يعتقد انها هي التي تملك الشارع وتتحدث مع الرئيس المكلف باسم الناس جميعا بينما الحقيقة هي ان البنية الاجتماعية في البلدان العربية واحدة وان كان انفجار ثورة الشباب العربي في الشارع قد بدأ في مصر وتونس حيث ثبت ان هذه الحالة غير قابلة للتأطير في نطاق حزبي او غيره وغير قابلة للاحتواء وهي خارج تأثير كل الطبقة السياسية المهترئة في الموالاة والمعارضة.
ما يهمنا اليوم هو ان الحكومة ولدت والتي لا نعتقد ان هنالك ما يبرر هذا المخاض الطويل حيث تشكيلها على ما هي عليه لا يحتاج الى اكثر من ساعتين بل لنقل تجاوزا 9 ساعات وليس 9 ايام خاصة ان المواقع الوزارية الرئيسية في الحكومة وهي الداخلية والخارجية والمالية والتخطيط احتفظ بها وزراء من الوزارة السابقة اما الاضافات فهي في بعضها ليس بها جديد.
ولو ان الزمان هو زمان عادي لما توقفنا عند هكذا اسئلة لكن هذا لحظة حرجة وفارقة والتحدي هو الاخلاص والصدق في امتصاص غضب الناس مما يستدعي السؤال عن المواصفات القيادية والكفاءة العالية والخبرة الواسعة لحمل مسؤولية وزارة لها علاقة مباشرة بالمواطن مثل وزارة التربية او وزارة مثل وزارة الصحة.
وقبل ان يصبح الصباح وتسكت شهرزاد عن الكلام المباح نسأل عن الكلام الفضفاض الانشائي في العموميات والذي لا يحمل اية افكار اخلاقية او تصورات ابداعية لاحداث التغيير المطلوب والياته وبرامجه حيث لا بديل عن الاحاطة بالتجربة الاردنية وتجلياتها الايجابية واستنهاض دورنا السياسي التاريخي انطلاقا من عبقرية الموقع "الجيوبولتيك" والاهم التشخيص الامين والصادق لاحوالنا واوضاعنا واحترام عقول الناس اما البداية فتكون بالاحاطة الواعية المعرفية الدقيقة بكل ما يتصل بالقضايا التي تؤرق المواطن وتهم الوطن ، وكما يقول زميلنا عاطف الغمري فان التغيير والاصلاح يبدأ بالمعرفة.
ففي عصر ثورة المعلومات الذي نعيش تحولاته المتتالية بإيقاعها السريع ، ثبت أن الشرط الأول للإدارة التنفيذية الناجحة ، هو المعرفة. وهذا لا يعني الحصول علي المعلومة فقط ، . بل تحليلها ، وتبصر أبعادها الحاضرة والمستقبلية ، بما يساعد علي تشكيل رؤية تتجاوز التفكير التقليدي في التعامل مع المشاكل ، وإطلاق الخيال لابتداع أفكار وسياسات ، تساعد الدولة علي النهوض.. هذه هي المعرفة. وعلي سبيل المثال ، فحين أخذ الناس يضجون من الارتفاع الجنوني في الاسعار والخارج عن نطاق السيطرة ، بما لا يبرره عقل ، أو منطق اقتصادي ، ظل المسؤولون يرسمون سياسات ، ويدلون بتصريحات ، تتحدث عن حرية السوق ، وقانون العرض والطلب ، وهو نفس السلوك الذي التزموا به ، وهم يحدثوننا عن نتائج التنمية في صورتها الرقمية ، وفي إغفال تام لمبدأ التوازن في توزيع عائد التنمية بين فئات الشعب ، ولا أقصد الحكومة الاخيرة ، بل كل الحكومات المتعاقبة. يحدث ذلك بينما العالم - بالقرب منهم - يتخلى عن كثير من هذه الافكار والنظريات ، ويضعها على الرف. كان أمامهم ما جرى في حزب المحافظين البريطاني الحاكم ، والمعروف تاريخيا بكونه الحارس على الفكر الرأسمالي. ففي المؤتمر السنوي للحزب في اكتوبر2010 ، صدر ما اسموه ما نيفستو الحزب لعام 2010 يبلور رؤية سياسية واقتصادية ، تركز علي محورين أساسيين: (1) مسؤولية الدولة في التدخل لضبط العلاقة بين قوى السوق.
و(2) توافر العدالة الاجتماعية في توزيع عائد التنمية. .. رئيس الحكومة ديفيد كاميرون وصف التباين الكبير في الدخول ، بالسير نحو الاسوأ. .. جون اسبورن وزير الخزانة قال إن تجديد المفاهيم أصبح العنصر الحاكم في بلوغ النجاح الاقتصادي. باقي المتحدثين في المؤتمر تحدثوا عن أن الطبيعة البشرية للمواطن تغيرت ، ولابد من تغيير الافكار والنظريات لتتماشى معها. .. وهذا التغيير الذي طرح النظريات التقليدية جانبا ، تتبناه الدول التي تقود عمليات تنمية اقتصادية واجتماعية ناجحة في آسيا وأمريكا اللاتينية. وابرزها تجربة البرازيل التي هبطت بمستويات الفقر بنسبة تزيد سبع مرات عن الزيادة في دخل الاغنياء في الفترة من 2003 - 2009 ، واستعادة التوازن المجتمعي. فهي حققت زيادة في دخول الاغنياء ، ولكن الارتفاع في دخول الفقراء كان أكبر. وهذا الاستيعاب لواقع العصر ، شمل بقية دول العالم ، ففي المنتدى الاقتصادى في دافوس يوم 26 كانون الثاني 2011 أجري استطلاع بين أعضائه اتفقوا فيه علي أن التباين الكبير بين دخول فئات المجتمع ، هو من أهم الأخطار الرئيسية في عالم اليوم. وهذا المعنى غلب على مناقشات المؤتمر السنوي الاخير للرابطة الاقتصادية في الولايات المتحدة. كما ان مجلة الايكونومست البريطانية القت باللائمة على من اسمتهم القطط السمان في وول ستريت بنيويورك في حدوث الازمة الحالية العالمية وقالت ان ثرواتهم ازدادت تضخما بالمقارنة باوضاع الفقراء الذين اثر عليهم خفض الانفاق العام.
واكدت الايكونومست ان هذا الواقع المختل ينعكس على بلدان العالم واشارت بشكل خاص الى ان ذلك سيفجر براكينا في شوارع البلدان العربية التي لا تعاني مجتمعاتها فقط من اختلالات مالية وحرمان وعوز وانما تعاني من استشراء الفساد والنهب والتسلط والمشاعر الشعبية بالمهانة والازدراء والتي كانت السبب الاضافي المفجر لما حدث في مصر وتونس والتفاعلات الاخرى في بلدان عديدة وترى المجلة الموضوعية والرزينة ان هنالك في اقطار الوطن العربي انفصالا عن الواقع وانعزال التفكير وراء اسوار تخيلية وهو ما يدفع نحو اضعاف الدولة بل غيابها كما حدث في مصر وتونس بعد تداعيات ادت الى خلخلة بنيان النظام السياسي ومنذ وقت طويل تراكم الشعور بان الدولة غير موجودة في الشارع بين الناس الذين يعرفون كل شيء ولا يمكن خداعهم واستغباؤهم او تخديرهم،،.
التاريخ : 11-02-2011
الدستور.