الفيديوهات الجنسية المسربة .. آثار نفسية وملاحقة مجتمعية
محمد كامل العمري
27-09-2023 09:42 AM
غالبا ما يتم سرد الابتزاز الالكتروني، في مواقع التواصل الاجتماعي، كمهدد أولي يجب التحذير منه، بالتبليغ الأمني أو بالمواجهة المباشرة مع المبتز وعدم التنازل له بأي شكل كان. وعلى الرغم من أهمية هذا الطرح إلا أن نادرا ما تجد طرحا يبحث في ثقافة "التسريب الجنسي"، التي أصبحت ظاهرة في الآونة الأخيرة، نمت بفعل التأزم المجتمعي، وضعف الرادع القانوني.
ثمة مؤشر قوي على تزايد النزعة الجماعية نحو مشاهدة الفيديوهات الجنسية المسربة؛ حيث تمثل هذه الفيديوهات مادة مغايرة عن الصورة الملائكية المنتشرة في المجتمع، فتكون "اللقطة الجنسية" بمثابة كشف مباشر عن خفايا ما يدور داخل أفراد المجتمع: التفاصيل الجنسية، التفاعل اللفظي، تبادل العواطف، الإيماءات المتشكلة... كل ذلك يتم سبر أغواره دون أي اعتبار مبدئي لشعور الضحايا.
افتراض البطولة!
تبدأ الحكاية عندما يقرر شخص ما ممارسة العلاقة الطبيعية مع طرف آخر. وما أن تنتهي هذه العلاقة حتى يفاجأ أحد طرفيها بتسجيلات تنتقل من يد إلى أخرى ودون معرفة مسبقة، أو ربما تم تسجيلها على إكراه أثناء الممارسة الجنسية، نظرا لسهولة اللعب على هذه الورقة تحديدا في لحظة "الهياج الجنسي"، وغياب أي قدرة على المحاكمة العقلية، وبالتالي الرفض الحر لفكرة الاحتفاظ بالتفاصيل الحميمية.
فكرة النشر تتشكل وفق سياق التأزم المجتمعي؛ الذي يمنح الرجل صكوك الغفران في حال التعدي على كرامة المرأة. دور البطولة الممنوح للناشر يتخذ لأنه لا يعيبه أي شيء، فضلا عن أن الرجل قادر على تسريب فيديو حميمي دون الكشف عن وجهه، وذلك بحجة استعمال الهاتف للمحادثة أو الإطلاع على أمر هام. وقتها تتركز كافة الأنظار حول الانثى وإيماءتها الجنسية، أما الطرف الفاضح فيكون في حالة نشوة معظمة لأنه استطاع "التعليم عليها"، إذ أن مفاهيم الممارسة الجنسية في مجتمعاتنا تتمثل حول فكرة الرجل الخارق الذي يستطيع "صيد" الفرائس، الواحدة تلو الأخرى!
إن الدور البطولي الذي يرسم على الناشر بعد ممارسة الفضيحة بين الناس يبين مدى الهشاشة المجتمعية، التي لا توفر هي الأخرى ممارسة دور الأستاذ الأخلاقي على الضحايا، وذلك بحجة "هن رضين بالتصوير"! ودون القدرة على فهم سياقات التأثير الذكورية التي تمارس دور التطمين الدائم، سواء بالزواج أو حذف الفيديوهات بعد انتهاء الممارسة الجنسية أو بعدم إطلاع أحدهم على مضمون ما جرى، عندئذ لا تجد المرأة من مخرج إلا الوثوق بالشريك، الذي لا يتوانى هو الآخر على إظهار نزعته الشريرة بعد فترة قصيرة، ومرجع ذلك لأنه يحس بالنقص أمام الآخرين، أو لأنه عاجز عن ممارسة الجنس بشكل طبيعي، أو لأن المجتمع يأخذ انطباعا عنه أنه لا يملك من الحظوة ما يؤهله للتشارك الجنسي، أو للتفاخر بين أصدقائه بأنه "الفحل" الذي "مرغ" أنف تلك الفتاة المتعجرفة، أو لإظهار مدى قدرته على إخضاع النساء، وفق أساليبه الاستبدادية غير الموجودة عند باقي الرجال.
قسوة المحاسبة!
لا يمكن لأي وسيلة أن تعبر عن حالة الاضطهاد التي تعيشها المرأة بعد تسريب فيديو جنسي، خاصة وأن النظرة المجتمعية تجاه الفواعل الجنسية الأنثوية تتصف بالدونية، وذلك على عكس ما هو موجود عند الرجل، الذي دائما ما يتم تفخيم ذاته الفحولية بوصفها أداة افتخار.
الاضطهاد يتوضح أكثر عندما يكون الناس في حالة همس مستمرة تجاه الضحية، أو تجاه أحد أفراد أسرتها، حيث توصم العائلة بأكملها لأنها عاجزة عن حماية "عرضها"، المرتبط فقط بالمرأة وباستهياماتها الجنسية! وذلك وفق صيغة "مش قادرين على بناتهم".. "بناتهم فضحنهم".. "عاملين حالهم محترمين"!.. وغير ذلك الكثير من التوصيفات المهينة. وفي هذه الحالة، تواجه الأسرة مصيرا بائسا، ولا يبقى أمامهم إلا الرحيل عن بيوتهم، أو تحمل إهانات محيطهم.
أما عن الوضع النفسي فهو لا يقل تأثيرا عن السطوة المجتمعية في حالة تسريب فيديوهات جنسية، إذ تتأثر الضحية بالاغتيال المعنوي، فلا يأتي أحد بذكرها إلا بالتأكيد على صورتها المرسومة جنسيا. هذا فضلا عن حالة الهجر المتعمد وكأنها قطعة جماد لا تستحق أي تعامل إنساني، إضافة إلى صورتها عن نفسها بوصفها أداة تفريغ لمغامرات ذكوري، وأنها كانت "غبية" لا تملك حكما عقليا، وبالتالي العيش ضمن سياق الندم، وما يجره من آلام لا تندمل بسهولة.
إن العذاب المتلاحق يتأكد أكثر عندما تستمر المشاهدة اللانهائية لهذه الفيديوهات، وذلك بسبب الروابط العشائرية التي بموجبها قد "يستلذ" المشاهد برؤية فتاة من عشيرة أخرى تمارس حقها الغريزي، أو بدافع الانتقام الذي يتجسد على شكل ردات فعل غير طبيعية. والمشكلة أن بسبب الترابط الاجتماعي وما فيه من تنميط طبقي، إضافة إلى عدم احترام الفردانية كصفة متلازمة للإنسان الحديث، تكون توابع التسريب أكثر خطورة نظرا إلى سياق "الجماعية" في مجتمعاتنا؛ حيث المسؤولية تتوزع بين الأسرة، والعشيرة، والمجتمع.
الثغرات القانونية.. اللعبة المتقنة!
عندما تقرر الضحية اللجوء إلى القانون بصفته الفيصل النهائي، تتفاجأ بكم الثغرات التي يستطيع أن يستخدمها الجاني، بدءا من نظرة القضاة وتساهلهم مع هذا النوع من الجرائم بحجة "رضى الضحية"، مرورا بالنصوص الضعيفة والتي تحتاج إلى ضبط، وصولا إلى العقوبة المخففة، وطبعا هذا في حال تجرأت الضحية أصلا بالذهاب إلى المحكمة، لكون الغالبية تفضل الصمت على الفضيحة العلنية.
وعليه، تكون هذه الثغرات بالنسبة إلى الجاني بمثابة المنقذ من المصير المشؤوم، إذ يستطيع قضاء عقوبة بسيطة، أو حتى الزواج من الضحية نفسها، أو دفع غرامة مالية. وبعد ذلك يمارس حياته بشكل طبيعي، حيث سيكون مخلد الذكر بين أقرانه، بل وربما بين أهله وعشيرته.
إن القانون بحاجة إلى تشديد العقوبات على مثل هذا النوع من الجرائم، فالاغتيال المعنوي لا يقل أبدا عن الاغتيال المادي، وموافقة طرف ما على تصوير "لقطات حميمية" لا يعني أبدا السماح بنشرها في الفضاء العام، ولا يعني كذلك "تهميش" حق الضحية بالاعتراض.