ونحن نحتفي بذكرى عطرة عزيزة على المسلمين كافة ، ذكرى ميلاد السراج المنير والهادي البشير ، ذكرى ميلاد سيد الخلق والأنام الذي أرسله الله تعالى رحمة للناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، من ظلمات الجهل إلى نور العلم والهدى ، ومن ظلمات الشرك والكفر إلى نور التوحيد والإيمان ، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .
لقد كان مولد نبينا العظيم " صل الله عليه وسلم " إيذانا ببزوغ فجر جديد على البشرية ، فجر يغلب فيه النور الظلام ، ويسود فيه العدل ، ويقهر الظلم وتعم فيه الرحمة على العالمين وكما قال الله تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " ، فلم يكن ميلاد رسول الله عليه الصلاة وسلام حدثا عاديا بل هو اعظم الاحداث في تاريخ البشرية ، وأكثرها تأثيرا كان ولا يزال وسيبقى ، حتى يرث الله الارض وما عليها ، فقد ترتب عليه ميلاد امة عظيمة ، حملت رسالة الاسلام السمحاء ، رسالة الحق والعدالة ، رسالة النور والهداية ، رسالة الرحمة للعالمين ، فأنقذت البشرية من الرق والظلم والعبودية ، واشعلت سراج الحرية للبشرية جمعاء ، واعلنت وقوفها بحزم ضد من ينتهك حقوق الانسان ، "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا"
في هذه الذكرى ، تجتمع الأمة نحو ذكرى عطرة ، لتتحد إرادتها وتتفق على تعميم الاحتفاء والاحتفال بها ، فتظهر من ثناياها حبها للمصطفى صلى الله عليه وسلم ، فاحتفال الأمة بالمولد النبوي الشريف فيه دلائل التعظيم والاحتفاء والفرح بالحبيب صلى الله عليه وسلم ، ما يحتم علينا التذكير بان افضل طريقة لاحياء المناسبة العظيمة هو احياء سنته صلى الله عليه وسلم ، وذلك تأكيد على اعادة قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنّته الشريفة قراءة عصرية وحضارية حتى نحيا بما فيها من قيم إنسانية راقية تستقيم معها الحياة وتُعمَّر بها الأرض مع العمل والاجتهاد، وتتآلف بها القلوب والنفوس، خاصة إذا ما ترجمناها إلى واقعٍ عملي في حياتنا وبصورة صحيحة ، امتثالاً لقوله تعالى: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً" .
في عيد مولد الهادي "محمد بن عبدالله" صلوات الله وسلامه عليه ، نتذكر ونُذَكِر بجهاده الموصول ، وصبره على الاذى والمكروه ، ونور بصره وبصيرته ، واصراره على الصفح والعفو ، وهو المبعوث رحمة للعالمين ، نذكر بخلقه واخلاقه "وانك لعلى خلق عظيم" فلم يكن جبارا في الارض ، بل كان ديدنه الكلمة الطيبة ، والرحمة بالضعفاء ، والصفح عن المسيئين ، والوفاء بالعهد والوعد ، وكما قال "بعثت لاتمم مكارم الاخلاق" وخفض الجناح للمرأة وهو القائل في خطبة الوداع "اوصيكم بالنساء خيرا".
في ميلاد الهادي عليه السلام ، لا بد من التأكيد ان الاحتفال الحقيقي بهذا الحدث التاريخي ، يستدعي من الأمة ، العمل على الحفاظ على المقدسات الاسلامية ، وانقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، مسرى رسول الله ومعراجه الى السموات العلى ، وتذكروا أن ساحات المسجد الأقصى تنتظركم ، فاعملوا ليوم اللقاء ، حتى تسعدوا باللقاء على حوض النبي صلى الله عليه وسلم لنشرب بيده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدًا ، ولتعود الأمة كما ارادها الله الباري "خير أمة أخرجت للناس" .
واخيراً ، وفي هذه المناسبة فانني اتوجه إلى الأمة الإسلامية في كل مكان بالتهنئة والتبربك بهذه الذكرى العطرة المباركة ، داعيا الله عز وجل ان يعيدها وقد توحدت الأمة على كلمة سواء تجمع ولا تفرق ، تبني ولا تهدم ، وأن يحفظها "عز وجل" من كل سوء ، وأن يهيئ لها من أمرها رشدا .
أسعد الله قلوبكم وأنار الله حياتكم وكل عام وأنتم بصحة وسلامة وكل عام وانتم بخير .