في حضرة الغياب .. اسماعيل السعودي
الدكتور اسماعيل السعودي
10-02-2011 04:24 PM
في الذكرى الأربعين للمرحوم خالد شلاش المجالي
في حضرة الغياب حين يكون الغياب حضورا وإمعانا في التواجد، لأن الذكر للإنسان عمرا ثانيا ولا متناهيا، ولأن الناس صنفان: صنف فوق الأرض أموات وآخر تحت الأرض أحياء، لأنهم وحدهم الراحلون العظماء ممن سطروا الحياة معانيا للوفاء والرجولة، هم هكذا من طينة مختلفة ومن زمان مختلف وأكثر بهاءً.
في حضرة الغياب لأن الكتابة عن رجل من زمن الكبرياء والكرامة، رجل كان بقامة النخيل وبحجم بُعد الورد، لوحت جبينه شمس شيحان الذي أحب، وصحت عيناه على بيت الكرم والجود، فتربى في بيت (شلاش) الذي أعطى للكرم صورة مختلفة وألقا أجمل، حتى قال فيه الشاعر:
حي الحصان وراعي الحصان ... شلاش الي تكره الخيل طرياه
خالد شلاش المجالي ... وفي غيابه نستذكر الانجاز ونستذكر رجلا أعطى لوطنه ولأبناء بلده كل طاقات الإبداع والتضحية، فكان طوال ستة عشر عاما رئيسا لبلدية القصر مثالا للمسؤول الذي يدرك أن الانتماء عمل وبأن الولاء عدالة وتنمية، استأجره الناس لقوته في الحق وأمانته في العطاء، ورث في تعامله مع الناس بشاشة وكرم شلاش، فكان وريثا حقيقيا لكل معنىً جميل استلهاما لقول الشاعر:
ومنّا الذي قد جاد حياً بنفسه ... وجاد على أضيافه وهو في القبرِ.
خالد شلاش المجالي ... نودعه وبودنا لو يودعنا صفو الحياة وأنّا لا نودعه، نودعه ونحن ملقون كلّ شيء بعده عدم وخراب ويباب، نودعه ونودع معه معاني الوفاء والرجولة والكرامة، نودعه ويودع معنا جبل شيحان الذي طالما سكن وجدانه، وتودعه معنا القصر والربة والزقيبة وخربة فارس والحي الشرقي، نودعه في ذكراه ونحن نعلم أنه المقيم فينا حدّ السكن، وحدّ الإمعان في الحضور والإقامة، نودعه وهو الذي أدخلنا إلى تكايا العشق للوطن وترابه، نودعه وقد علمنا أنّ الموت حياة وأن الغياب حضورٌ وبهاء.