يسعى الأردن من خلال قوانين البيئة الاستثمارية، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، لبناء اقتصاد مستدام يستند على المعرفة والابتكار والتنافسية والخبرة والتنوع، التي تنسجم مع تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، ولذلك، لا بد من تهيئة البيئة الاستثمارية المحفزة لتشجيع إقامة الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ المشاريع الكبرى، واعتماد طرق تمويل غير تقليدية، والاستفادة من خبرات القطاع الخاص الفنية والتقنية في إنشاء المشروعات المتعلقة بالبنى التحتية والمرافق العامة، وتقديم الخدمات وتحسينها، بغية تنويع مصادر الاقتصاد والدفع بعجلة التنمية، وتعظيم الإنتاجية والحوكمة، والمساءلة.
حسب البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، سيتم إعداد وتنفيذ مشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص يصل حجمها إلى ما يقارب 10 مليارات دينار، إلى جانب مبادرات للنهوض بقطاع الاستثمار، حيث تم الإعلان عن 21 فرصة استثمارية بحجم استثمار حوالي مليار دينار أردني، بالإضافة إلى 8 قطاعات استثمارية ذات أولوية، وذلك من خلال المنصة الترويجية الأولى للاستثمار في الأردن، بما يؤسس للمساهمة في الوصول إلى مستهدفات الرؤية لعام 2033 الخاصة بالنمو وتوفير فرص العمل والاستثمار.
في وقت يشهد فيه العالم تعقيدات جيوسياسية وتعثرات اقتصادية وأزمات متعددة كالتذبذبات العالمية في «الأسعار والإمدادات»، وما يرتبط بذلك من اضطرابات في الأسواق، نرى ان مستثمرو الشراكة بين القطاعين العام والخاص يبحثون دائما عن المشاريع القابلة للتمويل، حيث يتم توزيع المخاطر بشكل عادل بين الحكومة والجهة الخاصة، حيث إن القدرة المصرفية في أي بلد نام تنطوي على أكثر من مجرد تقليل المخاطر للمشروع، لكن الأهم من ذلك أنه يستلزم رؤية طموحة وشاملة تعمل على تقليل المخاطر التي تتعرض لها البلاد بشكل عام، وبرنامج واضح للشراكة بين القطاعين العام والخاص.
حسب بيانات البنك الدولي، فإن قطاع البنية التحية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، شهد مساهمة كبيرة من القطاع الخاص بلغت 2.0 مليار دولار أميركي، بزيادة قدرها 214 % من مستوى 2021. ومع ذلك، يشكل فقط 0.13 % من الناتج المحلي الاجمالي، وأقل من المتوسط العالمي3.1 مليار دولار أميركي السنوات الخمس الماضية.
عادة في الدول المتقدمة فانه في المتوسط لثلثي مشروعات البنية التحتية تمول عبر القطاع الخاص والثلث بواسطة القطاع العام. ويمنح القطاع الخاص حرية كبيرة لتصميم وبناء الهياكل ذات الجودة الأفضل التي تسمح له بتشغيلها وصيانتها بكفاءة، وبالتالي القدرة على إدارة المخاطر التي يتحملها بفعالية، ومن شأنه أن يترجم أيضا إلى رسوم أقل وصفقة أفضل للحكومات.
كذلك قدم اتحاد المصارف العربية التزاما بتشجيع البنوك على حشد تريليون دولار أميركي لدعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في المنطقة بحلول عام 2030. حيث ان هذه المبادرة الطموحة بالشراكة مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، تسعى إلى الإسراع في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في جميع الدول العربية ودعم تحقيق التحولات الرئيسية اللازمة في ستة مجالات، وهي: الحماية الاجتماعية، والطاقة، والتعليم، والنظم الغذائية، والتحول الرقمي، والتنوع البيئي، والحفاظ على الطبيعة.
المستثمرون يبحثون عن بيئة مستقرة، تمكنهم من التنبؤ لاستعادة استثماراتهم وكسب عائد معقول. وهذا يعني وجود إطار للشراكة بين القطاعين العام والخاص يعمل على تعظيم إمكانية تحقيق القيمة المضافة مقابل المال، وعند تصميم هذه الشراكات بشكل جيد وتنفيذها في بيئة متوازنة تنظيميا، يمكن لها أن تحقق المزيد من الكفاءة والاستدامة لتوفير الخدمات العامة مثل المياه والصرف الصحي والطاقة والنقل والاتصالات والرعاية الصحية والتعليم والسياحة. كما يمكن أيضاً لهذه الشراكات أن تسمح بتوزيع أفضل للمخاطر بين الجهات العامة والخاصة.
إن تهيئة بيئة تمكينية لمشاركة القطاع الخاص في توفير البنية التحتية هي مهمة تقع على عاتق الحكومة بأكملها. ولا بد من وضع سياسات متسقة ومستقرة بشأن سهولة ممارسة الأعمال التجارية، ويشمل ذلك شفافية الضرائب واستقرارها، وتسجيل الشركات الجديدة، وسهولة إعادة رأس المال للمستثمرين الأجانب. كذلك يعد التصنيف الائتماني ومؤشرات غسيل الأموال أيضا متطلبا أساسيا لتشجيع تمويل المشاريع بما في ذلك جذب التمويل الخارجي، ومن زاوية اخرى يجب تحفيز التمويل المحلي، مما يتيح سهولة هيكلة الصفقات ويقلل تكاليف التمويل المصاحبة.
هناك عامل مهم لتشجيع المستثمرين، من خلال قاعدة بيانات فعالة للمشاريع، التي ستمكنهم من التخطيط وإدارة الموارد وفق جدول زمني سليم. كذلك أصبح التخلص من المخاطر في المشاريع أسهل بسبب أدوات تعزيز الائتمان المختلفة المتوفرة. وفي حين أن هذا قد يعني تكاليف إضافية للمعاملات، فإنه يمكن الحكومات من تنفيذ مشاريع البنية التحتية الضرورية، وهيكلة الصفقات الأكثر إبداعا، بفضل مؤسسات التنمية المتعددة الأطراف التي تسمح للبلدان ذات التصنيفات الاستثمارية المنخفضة بإطلاق وإغلاق مرافق البنية التحتية الحيوية ماليا.
ولكي تصبح الشراكات بين القطاعين العام والخاص أحد الأجندات الحكومية الرئيسية، يجب أن تتم من خلال نهج برامجي متوازن. ومن الضروري أن يكون مصحوبا بوضع إستراتيجيات وإصلاحات قطاعية لضمان تحقق الأثر، وخلق زخم وتحقيق منافع، لاسيما لدى جهات الشراء والتعاقد (الوزارات التنفيذية/ الإدارات/ الهيئات). كذلك الإعداد المناسب للمشاريع، مع الشفافية المطلقة للحوافز، والامتيازات، ومصادر التمويل، وفي غياب ذلك، سيضيف الممولون تكاليف إضافية تشمل المخاطر، والتأخير المحتمل في المدفوعات، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تكاليف التمويل الإجمالية، والتي ستؤثر على ثقة القطاع الخاص والتزامه.
"الغد"