يوم السياحة العالمي .. حماية التاريخ وتقارب الشعوب
عبدالرحيم العرجان
25-09-2023 09:30 AM
قطاعات كثيرة تندرج تحت مظلة هذا اليوم الذي اعتمدت تاريخه منظمة السياحة العالمية التابعة لهيئة الأمم المتحدة منذ عام 1980 احتفالا به من كل عام وهو تاريخ إبرام النظام الأساسي للمنظمة منذ انطلاقتها بمثل هذا اليوم في العام 1970م.
ولا ينحصر هذا القطاع بالرفاهيه فحسب، بل يتعداها للإهتمام بالإنسان بفكره وإرثه المصان والأرض وما عليها من إرث الأجداد والأمم السابقه ومكونات طبيعية يستوجب المحافظة عليها والإستثمار بها مجتمعة لديمومتها للمستقبل، بتوظيف وتشغيل عشرات الملايين من البشر بشكليها المباشر والتكميلي تلبية لرغبات الناس المتجددة من حين إلى آخر وتوطيد وتعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة بتوئمة المواقع والترويج المشترك المتكامل.
وفي هذا العام شهدنا عودة الحياة للسياحة الثقافية بشكل ملحوظ بعد انحسار آثار الجائحة بتنامي الإعداد للحفلات المستقطبة للحضور من الخارج وبالذات الفلسطيني والإنتعاش والتجدد بمهرجان جرش بعودة الحياة إلى أروقته كسابق عهده ومعارض ومسابقات الطعام والشراب والمؤتمرات الدولية والإقتصادية، وخير مثال مؤتمر العقبة الدولي للتأمين الذي تجاوز عدد حضوره عن 1200 مشارك من المملكة والخارج وقريبا مؤتمر سياحة المغامرة في الشرق الأوسط بالتعاون مع هيئة تنشيط السياحة الحاضرة بترويجها بأهم المحافل والمعارض الدولية، ونالت العديد من الجوائز والتكريمات الدولية وأسماها إنعام جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه عليها بوسام الإستقلال من الدرجة الأولى تقديرا لجهودها المميزة بترويج وتسويق الأردن سياحيا.
وخلال السنوات العشر الأخيرة تنامت في العالم سياحة المغامره بأوجه مختلفة من مسير وترحال وتسلق وإنزال جبلي والتي استقطبت العدد الكبير من الفئات العمرية للذين يرغبون بالخروج من المدن للطبيعة والحياة النظيفة بعيدا عن ضوضاء المدن، وكان لجائحة كورونا بما فرضته من قيود العزلة بتنامي وتعزيز هذا النوع من الصناعة السياحية الآخذة بالنمو بشكل متسارع وتتنافس عليه كبريات الدول بإعادة إحياء الدروب ومسارات محلية عرفت ما قبل اختراع السيارة وتعبيد الطرق أو استحداث ما هو جديد يتصف بتعدد المشاهدة والأمان ضمن مقومات ثلاث ( الأرض، الإنسان، التراث) وهو ما أجمع عليه المتحاورين مؤخرا في جلسة المقومات الأساسية للمسارات السياحية والثقافية التي عقدت في العقبة بتنظيم من وزارة الثقافة، وسنّت أيضا قوانين وتعليمات ناظمة لذلك وزارة السياحية والآثار، والذي يجعل من المملكة قبلة لذلك بتميز موقعها المتوسط لقارات العالم مما يخفض كلفة النقل والطيران وتعدد الأقاليم وتباينها ما بين الشمال والوسط والجنوب والمحتوى التاريخي الزاخر الذي يمتد عبر العصور ما قبل الحضارات ،وتفردها الجيولوجي باحتضانها أخفض بقعة في العالم "البحر الميت" نظير قمة إيفيرست الأعلى في العالم، فغدت قبلة هامة للمغامرين بتحقيق الذات ونقل رسائلهم العالمية، وموطن لعدد من الأنبياء والرسل ونقطة التقاء الطرق والمسالك التاريخيه القديمه وتفرعها مابين الجزيره العربيه وإفريقيا وأوروبا والمعروف عن هذا النوع من السياحة تفردّه بطول مدة إقامة السائح ومعظم إنفاقه يكون عائدا على المجتمعات المحلية في القرى والبادية.
ولا يخفى علينا مدى أهمية الإستثمار في قطع الفنون البصرية بشقّيه التشكيل والنحت وخلق سياحة خاصة فيه باستحداث بينالي عمان الدولي وتعديل القوانين بما يسمح بجلب واستقطاب دور المزادات العالمية كسوثبيز وكريستيز وإقامة عمان آرت فير وإعادة إحياء مشروع بناء دار الأوبيرا بقلب العاصمة، ولتحقيق ذلك يستوجب تأهيل كادر مؤهل بخبرات عالية ومصقول بالتجارب الدولية وبناء بنية تحتية عصرية وفق أعلى المعايير، ولا يخفى علينا أن كثير من للمهتمين في هذا المجال من المجتمعات المخملية يجوبون الأرض بحثا عن النفائس والأعمال النادرة لاقتناص الفرص و تنامي رؤس الأموال وتعظيمها أو لإتمام مجموعاتهم الفنية الخاصة.
والبادية أم اللغة وفصاحة اللسان ومصنع الرجولة والفروسية وبها من المقومات ما يمكن أن يعاد إحياءه من مواقع تراثية لتكون معسكرات فصلية للشباب على غرار إرسال السلاطين والأمراء لأبنائهم لتعلم الفنون من اللسان والخطابة وأفعال أبناء باديتنا الأردنية التي وجد بها أقدم نص عربي " نقش أم الجمال" والزاخرة بما تركة السلف من كتابات في الحرة ووادي رم، وآخرا عزّز إحياء التراث بإدراج أحد أهم الأكلات الأردنية وهو طبقنا المنسف على قائمة التراث العالمي الإنساني بداية العام.
ولنا في سمائنا أيضا سياحة خاصة بتتبع المجرات وتحرّك الأفلاك ومنازل وأيام القمر فتشد الدارسين والهواة للتمتع بصفاء سمائنا وهدوئها وأمان البادية، وتوفر أصحاب العلم والخبرات لذلك وخير مثال ما كان قبل شهر من اهتمام كبير بمشاهدة تساقط شهب البرشاويات وتنظيم رحلات لتلك الغاية لوادي رم ضمن برنامج أردنّا جنة.
وللشباب دور كبير في هذه الصناعة والذي يؤكد عليه سيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبدالله الثاني أدامهم الله، فهم من أهم الدّاعمين الرئيسيين لمقدمين خدمة الدلالة والدعم اللوجستي والتطوير الحرفي ويستوجب الإستئناس بفكرهم وإبداعهم بتطوير التراث وعصرنته لاستمرار إستخدامه بالحياة اليومية مع المحافظة على مقوماته والأصالة، وما أخذوه على عاتقهم من ترويج للكثير من المواقع والأحداث في الإعلام وعبر وسائل التواصل الإجتماعي بمبادرات وجهود ذاتية بعيدة عن الدعم والتمويل، ومنهم أيضا من تجاوز الحدود بمسارات ودروب وصعود قمم بهدف حمل رسالة ورفع علم.