ماذا ينتظر الأردنيون (أو بصيغة أخرى) ما الذي ينتظر الأردنيين في الأيام القادمة ؟ بين ما ننتظره، وما ينتظرنا اختلاف واحد، هو (الفاعل)، فإما أن نكون نحن، أو المجهول الذي لا نعرفه، هذه -بالطبع- مشكلة، لكن الأخطر منها هو (الفعل) المنتظر، بما يضمره من أهداف قريبة أو بعيدة، وبما يكشفه من خرائط للجغرافيا السياسية ؛ هذه التي تتداخل فيها خطوط المصالح وتقاسم النفوذ، ومن تصميم جديد للأدوار، و تحولات في تصنيف من هو العدو، ومن هو الصديق، ثم يا تُرى على ( أي الجانبين نميل؟).
قد يبدو هذا الاستهلال غامضا، لكنه ليس أكثر غموضا مما يجري في منطقتنا، وعلى حدودنا أيضا، فبلدنا اليوم محاط بسوار من الأحداث والمفاجآت، ومفروض عليه أن يكون طرفا فيها، وأن يتفقد ما لديه من أوراق، لكي ( يقيس قبل أن يغوص)، تلك مهمة صعبة، بالطبع، لكن تكلفة الهروب منها لا طاقة لنا بها، كما أن الاستمرار باستخدام الأدوات القديمة لإدارتها ليس مقبولا، ما يستدعي «خلق» إرادة سياسية لإجراء عمليات سريعة، أهمها (لمّ الشمل الوطني)، وتجهيز الجبهة الداخلية وتعزيزها، وبناء توافقات تفرز قرارات تحظى بالثقة والإجماع، تماما كما حدث في مطلع التسعينات من القرن المنصرف.
أمامنا الآن جبهتان، جبهة حدودنا الغربية مع الكيان المحتل، وجبهة حدودنا الشمالية مع النظام السوري، حين ندقق بالجبهة الغربية نجد أن قواعد اللعبة تغيرت تماما، الأدوار التي كنا نقوم بها لم تعد مهمة، الأطراف التي كنا نراهن عليها اختفت، التفاهمات التي كانت تحفظ الحد الأدنى من مصالحنا تكاد تنتهي، أو يتم الاستغناء عنها بالتفاهم مع آخرين، تل أبيب الجديدة، ورام الله المحاصرة والضعيفة، وخطوط التطبيع التي امتدت إلى العمق العربي كله، وواشنطن التي ما تزال تحتفظ بنسخة صفقة القرن، كل ذلك أصبح عبئا ثقيلا على عمان، ما يعني أننا اصبحنا وحدنا في مواجهة نتنياهو، وترسانته العنصرية.
حين ندقق، أيضا، بالجبهة الشمالية، نجد أننا أمام حرب مفتوحة، عنوانها تهريب الأسلحة والمخدرات، وارتدادات الزلزال الذي عاد بسوريا 10 أعوام للوراء، كل الوصفات السياسية التي صرفناها، لم تجد لدى النظام السوري أي استجابة، التنظيمات التي تتمدد على حدودنا تتصرف بمنطق العصابات المؤجرة، الصراع الدولي على سوريا يدفع باتجاه «التصفية» عبر وكلاء سبق ورفضنا أن نكون منهم، وعليه تحولت سوريا الجديدة إلى مصدر تهديد لأمننا الوطني، ولم يعد بمقدورنا ان نقف مكتوفي الأيدي انتظارا لدقات ساعة الانفجار، التي يبدو أنها أصبحت قريبة.
أعرف، ليست هذه المرة الأولى التي تنفتح فيها علينا الجبهات، باسم الحرب أو باسم السلام والتسويات، أعرف، أيضا، أن لدينا ما يلزم من أوراق للتعامل معها، وقدرة على الصمود لمواجهتها، أعرف، ثالثا، أن كل ما نفكر فيه هو «إدارة الصراع « لتجاوز الأخطار بأقل ما يمكن خسائر، وأننا أبعد ما نكون عن المغامرة أو المكاسرة، لكن ما اعرفه، تماما،
أننا أصبحنا وحدنا في الساحة، بعد أن انهارت بعض الحواضر، وانغمست الأخرى في حسبة مصالحها فقط، وأننا نعاني اقتصاديا واجتماعيا بعد انقطعت خطوط الدعم والمساعدات، وأننا آخر العواصم التي ما تزال صامدة أمام عواصف التفتيت والتقسيم، وإشعال فتائل القهر والغضب.
الدستور