صمام الأمان و الأخوان * فراس خير الله
10-02-2011 12:26 AM
بعد مرور ما يزيد على اكثر من شهر على الثورة التونسية و بدخول الحراك المصري يومه الخامس عشر تحولت البوصلة السياسية في العالم العربي نحو الأصلاح و الأنفتاح على الأخر, ذلك الأخر الذي تم اقصاءه و ابعاده بحجة الأمن احيانا او بدون حجة احيانا أخرى. و بأعتبار ان الدول هي كيانات مادية يديرها العنصر البشري فهي بحاجة ماسة الى نظرية الأمن القائلة بوجود خطر يهدد الأمن و السلم الأهليين و يستدعي ايجاد اليات و قوانين للوقاية منه. فمن قوانيين الطوارئ الى قوانيين الأنتخابات السحرية مرورا بقوانين الأجتماع و الأعلام التي أوجدت لتتفنن في التكميم و الأبتعاد عن مبدأ التقنين وصل العالم العربي و بدرجات متفاوتة الى الدولة البوليسية التي مارست ببراعة دور الشرطي و المراقب. في عالم تحكمه مباديء الرأسمالية و العولمة انتقلت الينا عدوى الأمن اسرع من انتقال انفلونزا الخنازير, لم لا و مرض الأمن هذا يحتاج لعلاج و وقاية تستدعي المزيد من القوانين و لجم الأفواه.
تفاوتت ردود الأفعال العربية على ما جرى في تونس و ما يجري في مصر, فالبعض سارع الى احكام القبضة الأمنية وشدد الرقابة على الشبكة العنكبوتية, بينما سارع اخرين بنفي رغبتهم بالترشح من جديد و نفي صفة التوريث عن حكمهم المؤبد. اما نحن في الأردن تأثرنا, كما في الدول العربية الأخرى, بطريقة او بأخرى. خرجت المظاهرات و تحرك الشارع بقوة. الشئ الوحيد الذي ميز الأردن كان اتفاق الجميع على أن مؤسسة العرش هي الثابت الوحيد غير القابل للتفاوض. فهي مؤسسة استمدت شرعيتها من الشارع و هي على اتصال دائم به في السراء و في الضراء.
تغيرت الحكومة و توجهت مؤسسة العرش دون وسيط الى الشارع مرة اخرى منصة مصغية و محاولة للتعامل مع المشكلة على الأرض لا من خلف الأسوار و بدون وسيط. و كما هو الحال في كل مرة التقطت مؤسسة العرش الرسالة الشعبية بدون تشفير و تعاملت مع المعطيات دون مواربة. ولعل من ابرز ما تم الأسبوع المنصرم هو اللقاء الملكي مع جماعة الأخوان المسلمين, ذلك اللقاء الذي اعاد ملف الأخوان الى القصر بعد ان اثبت عدم جدوى جعله ملفا امنيا.
الرسالة وصلت لولي الأمر في الأردن الذي اثبت مرة أخرى قدرته غلى استيعاب الجميع و تحويل مسار الأمور من التأزيم الى الأنفتاح. و لكن هل التقط الأخوان رسالة الشعوب وولي الأمر؟ نعم فالشعوب التي خرجت مطالبة بالتغيير لم تحصر هذا المطلب بأحد معين, فالمطلوب ايضا تغير الطرف الأخر, اي المعارضة. المطلوب من الأخوان ان يتغيروا, ان يسمحوا لأنفسهم و قيادتهم بالأنفتاح وعدم اقصاء الأخر. المطلوب هو تغير جذري يخرجهم من دائرة الأعتراض السلبي و يدخلهم دائرة طرح البدائل. نريد أخوانا قادريين على مواجهة المسؤلين و صناع القرار بأرقام حقيقية لا بخطب جمعة. اذا اراد الأخوان في مصر من النظام ان يتعظ من غضبة الشارع فعليهم ايضا في الأردن ان يفهموا رسالة الشارع. فأول خمس الاف خرجوا في اول جمعة و افتتحوا مسلسل الأعتصامات لم يكونوا من الأخوان, و الملايين التي باتت تحت سماء ميدان التحرير لم تكن من الأخوان, بل على العكس تماما, جاء الأخوان ليركبوا الموجة مع الراكبين و هاهم يبدأون التفاوض مع النظام المصري. في الأردن, خرج الأخوان الينا بأن أمن الأردن و استقراره فريضة شرعية, و كأن امن هذا البلد لم يكن قبل ذلك فريضة وواجب, و كأنهم لم يروا كيف كانت مظاهرات الأردن مضربا للمثل بالنظام و كيف كان سلوك الأمن العام دليلا على التلاحم.
لقد ساهم الحراك الشعبي في تغير الوزارة و لكن انجازه الأكبر كان بأعادة الأخوان الى مؤسسة العرش, و هي عودة نرحب بها و نرجوا ان تكون فاتحة خير و بداية شراكة حقيقية, لا بداية لأقصاء و استغلال نجاح الأخر. على الجميع ان يفهموا ان كلا منا مسؤول عن الأخر, فكما رأى البعض في الأخوان صمام أمان, على الأخوان أن يعوا ان لهم ايضا صمام أمان أحتضنهم سابقا و عاد الأن ليدعوهم الى العود الأحمد, فهل التقطوا الرسالة؟