شاهدت مؤخرا بشغف مقابلة ولي عهد المملكة العربية السعودية الامير محمد بن سلمان مع فضائية فوكس نيوز ، و أقول هنا بشغف لأنّني أريد أن أرى ما تغيّر من أفكار و مساعي و تطلعات لدى الأمير منذ آخر مقابلة قام بها إلى اليوم.
بالتأكيد سعودية البارحة ليست هي ذاتها سعودية اليوم و غدا ، فالمملكة العصرية إن صحّت التسمية تسير بخطى ثابتة نحو الطليعة على عدة محاور ، ففي القوة يقول الأمير الشاب " إن امتلكت ايران قنبلة نووية سنمتلك" ، و هذه من أبسط حقوق الدول و التي من شأنها معادلة القوة و التأثير ، فهو في السِلمْ يسير بسرعة كبيرة للوصول إلى بر الجيرة المنطقية مع طهران ، لكن يعلنها بصراحة "متى ما أدارت ظهرها نحو القوة، سندير نحن".
هذه السياسة الصريحة القوية مهمة جدا لتعادل القوة في شرقنا الاوسط ، و بمنأى عن ذكر كيانات أو دول بعينها أدت لخراب بلدان و أوطان ، تأتي الرياض لتقول الصداقة لمن يَصدق و القوة لمن أراد القتال ، تماما كما يفعل الملك عبدالله الثاني في الحدود الشمالية المُتعبة و التي إن لم يواجه تداعياتها من تهريب و مخدرات سوف تنفث السم و الفساد في المجتمع.
و بالعودة للمملكة السعودية ، ما تفعله اليوم ما هو إلّا صعود تاريخي نحو مصاف الدول المتقدمة ، صعود لا في عائدات النفط ، بل في التقدّم و الازدهار بعيدا عن هذا المورد الطبيعي الذي لا محالة ستأتي أيام ينضب فيه ، لذلك تحاول الرياض جاهدة للاستقلال بعيدا عنه ، هذا الاستقلال الذي سيمكّنها من التوسع و الانفتاح بعيدا عن تقليدية أسواق النفط عالميا.
أما داخليا ، فاستطاعت السعودية مؤخرا خلق منهج أقرب ما يكون للعلمانية لكن بنكهة شرقية ، منهجا يكون فيه الانسان رقيب نفسه و سلوكه ، ينعم به الضمير بادراة ذاتية بعيدا عن أي شخص أو جماعة لتديره ، هذا المنهج هو ذاته لُبُّ الدين و خلاصته ، فالدين يسر و راحة و حريّة قبل أي شيء آخر ، لذلك نستطيع أن نرى التطور الاجتماعي يوما بعد يوم فيها .
أمّا على الصعيد السياحي ، نكتشف أن السعودية ليست فقط كثبانا من الرمال على امتداد البصر كما يقول الأمير و كما كنا نظنّ ، ففي أرضها الواحات و الانهار و الوديان و الجزر الخلابة ، و حتى مناطق تزورها الثلوج ، لذلك من غير الصواب اختزال السعودية فقط بموسمي الحجّ و العمرة ، هي التي تقودهما و تنظّم ملايين الحجّاج كل عام ، ألا تستطيع أن تروّج لمواردها و مناطقها السياحية؟ بالتأكيد تستطيع...
نحن هنا في الأردن يجب أن نعمل مع الجارة السعودية على مشروع سياحي/توأمي ، فالبتراء و العُلا مناطق تتشابه كثيرا في الطبيعة و الجبال و النقوش و العمران ، فلماذا لا نخلق خارطة سياحة تبدأ بواحدة و تنتهي بأخرى ، تجعل السائح يمشّط هذا الشريط الذي يمر بالبتراء العقبة و ذا لاين و نيوم مستقبلا ؟
هذه التوأمة و الشراكات سوف تنعكس ايجابا على كافّة الاصعدة.
أما بخصوص التصريحات التي تخصّ اسرائيل ، و المفاوضات التي تجري معها ، نسأل هنا...هل يحرّم على الرياض السعي نحو مصالحها؟ هل يحرّم عليها ما هو حلال على غيرها؟
القضية الفلسطينيّة معقّدة و شائكة و نحن جميعا نريد لهذا الشعب المناضل أن ينعم بالأمن ، و السلام و الاستقرار الاقتصادي و السياسي ، لكن في ذات الوقت إن لم يجلس المتنازعان على طاولة واحدة و كان المستفيدون من تعطيل النقاشات بعض الأشخاص ، فهل كما يقول المثل" علينا أن نكون مَلَكيين أكثر من الملك؟"
هل على السعودية و الأردن و مصر و غيرها من الدول أن تحارب من أجل القضية أكثر من "بعض " المنتفعين من ديمومة تعطّلها من ابناءها؟
و لأن الدولة العبرية ذكية فهي تستطيع استثمار هذه التفرقة الداخلية بالتوسّع خارجيا ، و هنا تكون الدول التي تسعى نحو مصالحها غير مذنبة اطلاقا، فلا أحد يشك بما تقدم الاردن و السعودية و مصر و الجزائر و باقي الدول العربية من دعم لفلسطين .
لا شك أن المستقبل عنوانه منطقة الشرق الوسط ، فمع كل حدث أو انتكاسة عالمية نجد رؤساء الدول و الحكومات يتسارعون لكسب ولاءات شرقنا ، فالطاقة هنا كبيرة ، و الطاقة ليست فقط النفط أو القدرة الاقتصادية ، فالشعوب هنا شابة ، و الأراضي الخصبة وفيرة ، و المناخ مهما تغيّر يكون في حدود المنطق ، لذلك يجب على دولنا التحرّر من الافكار القديمة و تبنّي منهج جديد ، سياسة تفصل بين الملفات و لا تخلط بينها مطلقا.