لقد كان خطاب جلالة الملك في الجمعية العامة للامم المتحدة خطابا اممياً، وانسانياً بامتياز، وعبر عن ضمير ووجدان العالم، وتحدث باسم البشرية المعذبة التي تأن جراء الحروب، وعدم الاستقرار، وما تخلفه من موجات لجوء قصرية تفضي الى المساس بكرامة الانسان، وتسيء الى وجه هذا العالم ، وتفتح ابواب المعاناة، والعذاب على مصراعيها للنازحين ممن فقدوا استقرارهم، واوطانهم..
وكان خطابا يوقظ الضمير العالمي بانحيازه للانسان، ومعاناته ، ويدعو لاشاعة الامل ضد تنامي نزعة اليأس، والقنوط في الناس، ويؤكد على العدالة العالمية التي يمكن ان تنقذ البشرية من مصير مجهول يسوده التطرف، والغلو، ولغة القوة ، وتنهار فيه مبادىْ العدالة، والمساواة، وحق الحياة، والتحرر الوطني.
وقد هدف الملك للفت انتباه العالم الى المظلومين الذين هجروا من اوطانهم، واصبحت حياتهم بلا معنى ، وفقدوا اطارهم الاجتماعي، وتحولوا الى مبعثرين على الحدود لتتقاسمهم مشارق الارض، ومغاربها ، وهم يبحثون عن انسانيتهم المفقودة على المعابر، والحدود.
وتضمن خطابه دعوة ملكية للعالم لكي يشكل نظام حماية اجتماعية عالمي مستدام لتقديم المساعدة ، والعون للمهجرين، وحركة النزوح، والابقاء على دعم الدول المضيفة التي تعنى بواجباتها الانسانية، ومنها الاردن، وقد وصل عدد المهجرين المستضافين فيه لما يزيد على ثلث سكانه، وبما يمكنه من مواصلة تقديم الخدمات الحياتية الفضلى لمثل هذا الحجم من اللجوء القائم على ارضه.
والاردن قدره ان يكون محكوماً برسالة ذات بعد انساني نابعة من قيم، واصالة موروثة العربي والاسلامي ، وهو يمثل الاستجابة الاولى لفحوى خطاب جلالة الملك الانساني، وهو البلد الذي آوى المهجرين العرب ممن اودت بهم القلاقل ، والحروب، وانعدام العدالة الى خارج اوطانهم، ولا ادل على ذلك من ان نحو ربع مليون طفل سوري ولدوا على ارضه في السنوات الاخيرة.
ولان فلسطين تبقى هاجس الملك الاول ، وقضية الاردن الاولى، فهي الحاضر الاول في خطاب الملك، وبما تمثله من مكانة ورمزية في الضمير والوجدان العربي والاسلامي والعالمي ، وشتات اهلها يظل يمثل اول اللجوء ، والشتات، وقد انعكس فيها اختلال موازين القوى العالمية، والانحياز الاعمى للصهيونية، وتظل تؤشر سلباً على المستقبل العربي، وستبقى امانة تاريخية في عنق الاردن.
لا شك ان الخطاب الملكي المفعم بالبعد الانساني كان يوجه في الصميم المجتمع الدولي الى ضرورة وضع حد للازمات التي تعصف ببعض الدول ، وتفرغها من مواطنيها، وتضعهم امام مصير مجهول، وتنعكس على صورة العدالة العالمية.
وقد اعتلى الملك منصة الامم المتحدة بخطاب عالمي مسكون بأمال ، واحلام المساكين الذين تتقاذفهم الشواطئ، والحدود بسبب شرور البشرية ، وتناقص قيم الخير، والعدالة في هذا الزمان.