الأردن بمواجهة إيران وإسرائيل!!
محمد حسن التل
21-09-2023 03:48 PM
بنبرة لا تخلو من الحزم والغضب النبيل، قدم الملك عبدالله الثاني مرافعة تاريخية أمام العالم أمس الأول في الأمم المتحدة حول وضع وموقف الأردن إزاء ملف المسألة السورية ومن ناحية أخرى القضية الفلسطينية ، فقد بات الأردن يعاني وحده من ارتدادات الأزمة السورية التي دخلت عقدها الثاني دون أي ضوء في نهاية النفق، بل تزداد تعقيدا سواء على المستوى الدولي والإقليمي أو على مستوى تضارب المصالح لمختلف الأطراف، فالأرض السورية باتت مقسمة في الشمال والغرب ويبرز اليوم موضوع السويداء المفتوح على كل الاحتمالات ، الأمر المقلق بالنسبة للأردن ونتيجة الأوضاع المضطربة والمنفلتة في الكثير من مناطق سورية، تواجدت الميليشيات المسلحة في الجنوب السوري وعصابات المخدرات وتقاطعت مصالح الطرفين وأصبحا يشكلان خطورة كبيرة على أمن الحدود الأردنية الشمالية
ولم نسمع في منطقتنا عن تجار مخدرات يستخدمون طائرات مسيرة وأسلحة ثقيلة إلا بعد وقوع الجنوب السوري تحت وطأة الفوضى وضعف الوجود السوري الرسمي هناك.
طالما حذر الأردن جميع الأطراف من خطورة تواجد مثل هذه الأوضاع على حدوده الشمالية، وطوال سنوات الأزمة ظل يعمل جاهدا لدفع الخطر عن حدوده، ولكنه اليوم أصبح يواجه وحده ارتدادات الإنفلات الأمني في الجنوب السوري على طول 350 كيلو مترا، ويحمل الأعباء الكبيرة سواء على المستوى البشري أو على المستوى اللوجستي، صحيح أنه نجح حتى الآن في الحفاظ على حدوده رغم الصعوبة والخطورة، إلا أنه يجب ألا يترك وحيدا في هذه المعركة التي لا تستهدف الأردن فقط، بل تستهدف دولا عربية كثيرة، والغريب أو بالأحرى المريب، هذا الصمت والتخلي الواضح عن الأردن في هذه المعركة رغم علم الجميع ومعرفتهم بخطورتها، خصوصا بعد تأكد الجميع بأن الأمور في الجنوب السوري باتت تحت سيطرة الميليشيات الإيرانية، وهذا جزء من محاولة اختراق الجبهة الأردنية التي استعصت على إيران على مدار أكثر من أربعين عاما، ومعنى أن تستطيع إيران أن تقف على الحدود الجنوبية لسوريا فهي تستكمل الحلقة العراقية السورية اللبنانية في مشروعها لمنطقة بلاد الشام، والاستهانة بهذا الوضع سيدفع كل الصامتين ثمنها، في الأمن الاستراتيجي القومي.
والتحدي الآخر للأردن في الأزمة السورية، قضية اللاجئين على أرضه الذين تجاوز عددهم المليون وأربعمئة ألف وباتوا يشكلون عامل استنزاف مخيف لبنيته التحتية وموارده القليلة أصلا، وفي ظل تراجع الدعم الدولي لهؤلاء اللاجئين، الذي هو على الحقيقة ليس تراجع فقط بل تخلي المجتمع الدولي عن واجباته تجاه هؤلاء، وترك الأردن وحيدا في هذا الموقف، والمفارقة أنه إبان زحف اللاجئين إلى أوروبا كانت الإستجابة الدولية لمتطلبات اللاجئين في الأردن وصلت إلى 95%، واليوم وحتى الربع الأول من هذا الشهر، لم يتجاوز هذا الدعم ٦% ، هذا يعني أن الدول الغربية عندما كانت تقدم الدعم للاجئين في الأردن كانت تحاول أن تحمي نفسها من موجات اللاجئين فقط.
لن يستطيع الأردن تحمل هذا العبء على مستوى الخدمات على الجانب الصحي أو التعليمي أو حتى على مستوى التشغيل ناهيك عن الجانب الأمني، الأمر الذي ربما يدفعه لاتخاذ إجراءات فعلية على الحدود السورية الأردنية لتخفيف العبء عن كاهله وحماية نفسه، خصوصا بعد أن تعالت الأصوات في البيئة الأردنية السياسية والشعبية بأن هذا الملف يجب أن يغلق، ولن يتردد الأردن في اتخاذ اجراءاته التي من الممكن أن تفرض عليه، وأنه في النهاية يملك كل الخيارات لحماية الدولة، كما أشار الملك عبدالله الثاني أمس الأول في الأمم المتحدة.
الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، وبالنهاية ستجد الدولة الأردنية أن من واجبها إزاء هذا التعقيد أن تتخذ موقفا لا تحسب فيه حساب إلا لمصلحة مواطنيها وأمنهم وحمايتهم، والكل يعلم جيدا أنه إضافة إلى اللامبالاة التي يواجهها الأردن في هذا الملف دوليا فإن الحكومة السورية لا تبدي أي جدية في معالجة الأوضاع في جنوب البلاد ، وفي المجمل يجب أن لا يلوم أحد الأردن على أي إجراء من الممكن أن يتخذه دفاعا عن مصالحه العليا..
الملف الثاني الضاغط على الأردن هو الملف الفلسطيني الذي تزداد أوراقه تبعثرا، بين الإصرار الفلسطيني على الأرض في التحرير وإقامة دولتهم، وبين عناد إسرائيل واصرارها على استمرار الاحتلال وعدم الاعتراف بحق الفلسطينيين بقيام دولة، والوضع في المنطقة منفتح على إسرائيل على طريق سريع، قافزا عن أصل القضية الأمر الذي يزيد من عنادها.
الأردن موقفه الثابت أن قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 مصلحة وطنية أردنية، إضافة إلى أنها حق فلسطيني، لكن إسرائيل اليوم تضغط على الأردن بكل السبل لدفعه للتراجع عن موقفه وتقوم بخطوات تلوح من خلالها بتهديد الأردن على المستوى الأمني والديموغرافي، من خلال محاولتها حل القضية على حسابه من أجل سيطرتها الكاملة على الضفة الغربية، ودفع الفلسطينيين لقطع النهر شرقا باتجاه الأردن، والجدار الذي تنوي إسرائيل بناءه بين الأردن والضفة الغربية، أو بالأحرى فلسطين، إشارة واضحة أنها ماضية في مشروعها بالسيطرة على كل فلسطين، وهي تقول للأردن والجميع هذا الجدار هو حدود إسرائيل، ولا يوجد شيء إسمه الحدود الفلسطينية مع الأردن، ناهيك عن موضوع القدس ومحاولة حشر الأردن في الزاوية بصفته الوصي على المقدسات هناك من خلال الوصاية الهاشمية وضربها بعرض الحائط كل الاتفاقيات والقوانين الدولية عن طريق سيطرتها الكاملة على المدينة، وتحقيق أحلام المستوطنين لديها، وهذا ثمن يقدمه نتنياهو في سبيل الإستمرار في الحكم.
كل هذا يجعل الأردن في موقف صعب إزاء هذا الملف، لارتباطه جغرافيا وديموغرافيا مع فلسطين، وأن بقاء الجبهة الفلسطينية مشتعلة معناه أن يبقى الأردن متيقظا حتى لا يتفاجأ بالأحداث وتطوراتها كما تفاجأ قبل ثلاثين عاما باتفاقية أوسلو، خصوصا أن الأجواء والتحركات في المنطقة غامضة وغير واضحة ومن الممكن أن تكون مريبة!!
ما يحدث في فلسطين الآن هو نتيجة حتمية لاتفاقية أسلو التي منحت إسرائيل احتلالا مجانيا للأرض ووجدت بديلا أمنيا لها هناك، وأصبح واضحا أنها كانت تضمر بأن لا تستمر بهذا الإتفاق وكانت غايتها منه إزاحة عبء الاحتلال عن ظهرها. الفلسطينيون دفعوا ثمن هذه الإتفاقية على مدار ثلاثة عقود قمعا وقتلا واعتقالا وتدميرا، بوجود سلطة لا تملك من أمرها شيء في مواجهة إسرائيل.
في ضوء هذه الفوضى في المنطقة واختلاف المواقف يجد الأردن نفسه في مواجهة إسرائيل وأطماعها على حدوده الغربية وإيران ومشاريعها على حدوده الشمالية، وإن لم يتم دعم الأردن فسيدفع الجميع في المنطقة أثمانا باهضة من أمنهم واستقرارهم !!