الجامعات العربية والبحث العلمي
د. كميل موسى فرام
21-09-2023 01:05 AM
قبل فترة تبرعت وتجرأت بقرع جرس الإنذار لواقع البحث العلمي في الجامعات العربية، وهو المؤشر الأهم لتقدم التعليم في البلدان التي تبحث عن حجز مساحة بتقدم البشرية، ملف يتقاطع بالمحتوى ويتقوقع داخل منظومة من التعليمات والصلاحيات التي حصرت بيد واحدة لصاحب القرار بإجازتها حسب رؤيته وناصحيه، لنجد موقع الجامعات العربية بمستوى متواضع لا يليق بطموحاتنا وإمكاناتنا ضمن التصنيفات التي ذكرت، ويبعث برسالة نسجها الخوف الذي يحاصر حدود الأمل بالإصلاح، وهي مناسبة لإضافة جديدة ورأي أكاديمي قابل للنقاش، حيث أنني أراقب مشهد البحث العلمي الجامعي الذي يحتاج لجدولة وإعادة نظر بالمحتوى والأسلوب، فالتعليمات الناظمة حصرت سلطة التقييم، وفتحت مسارا جانبيا للترقية الجامعية، إضافة لفوضى الإنجازات العلمية والعملية والأدائية التي تنشر عبر صفحات التواصل الإجتماعي بدون ضوابط.
ويمكننا إضافة مؤسفة للمشهد الضبابي المزعج؛ توالد فوضوي لدور النشر ذات التصنيفات المزيفة التي تغري الباحثين مقابل الدفع المادي، تدخل متجدد لإصطلاح الذكاء الاصطناعي بالمساعدة على الكتابة والبحث وترتيب الأفكار، إرتفاع نسبة الحاصلين على ألقاب الخبرة كخبير ومستشار عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتي تمنحه فرصة الفتوى بلغة تنطلي على البعض، ومنهم من يسلك هذا المسار وهو خارج حدود الوطن، لأهداف وأسباب تثير الشك، وتتغير حسب منحنى التصنيف وظروفه.
وللتذكير كمثال، فقد هرولنا باستبيانات لقياس تأثير أثر جائحة كورونا مثلاً على جلوسنا بالمنزل وحرماننا من جلسات المقاهي، دون استبيان عملي في معامل البحث عن طبيعة الفيروس اللعين وتأثيره، ومحاولة كشف أسراره بصدق وجهد، ننتظر الغير لنتصرف.
واقع البحث العلمي المتهالك في الجامعات العربية والذي يعتمد على فردية العمل بنشر جماعي متبادل أو نفاق مقنع، جعل الجامعات العربية تختفي من قائمة الجامعات ذات المستوى المتقدم باستثناء محدود لبعض الجامعات نتيجة جهود إدارية متواصلة؛ هناك تراجع واضح ضمن مؤشر التصنيف، ومن يعيش بالميدان يتفهم ويتوقع مثل هذه النتائج.
بتجرد يبعدنا عن الفتوى والإتهام أو نتيجة الحرمان والإقصاء التي تمارسها بعض الإدارات، وبقالب دقيق يعطينا الدرجة التي نستحق، فواقع البحث العلمي أنه يرزح تحت كمية كبيرة من التعليمات والإجراءات التي تقيد حركته الصحيحة عبر لجان ولجان، تقرأ حروف الأسطر بصعوبة، وبذات الوقت، فهناك تسهيلات تمنح للبعض للنشر والترقية بمجلات مغمورة تعتمد لغايات شخصية بلجان مبرمجة، وعلى سبيل المثال، هناك مجلات لم يسجل لها استشهادا واحدا وهو من مؤشرات البحث العلمي المؤثر، والمؤسف، أن سياسة الترضية وجبر الخواطر، وعصا التهديد للعقاب، هي العناصر التي تسيطر على هذا الملف.
النتائج المتواضعة هي نتيجة منطقية لهذه التراكمات، لأن العامل المشترك والأهم يتمثل بواقع ذراع السلطة التنفيذية المسؤول والتي تتحمل مسؤولية كبيرة وتشاركية مع إدارات الجامعات التي عليها عبء التطوير وإيجاد الحوافز للباحثين لمواصلة إنجازاتهم، ومنحهم فرص التسلسل الإداري المستحق وهي المثبط الأكبر بواقعنا، حيث يبحث المسؤول عن حزمة من المصفقين لتشكيل سور مانع حول إدارته لتحصين قراراته، وربما ترجمة لنسبة ضئيلة من الوعود والتمنيات، كفيلة برفع مستوى البحث العلمي لجامعاتنا للوصول للتصنيف الذي نستحق، شريطة شطب سياسة الت?رير والدفاع الجاهز بحجج واهية.
علينا أن لا نجعل من واقع الحال سببا لتواضع الأداء، فمستوانا يتقهقر منذ فترة بسبب نفس السياسات التي ترسم الخطط، وربما هناك إرتدادات لهذا المستوى قد إنعكست على مستوى الخريجين وتنذر بمستقبل يضاعف من فرص البطالة، خصوصا بالتوالد السريع لعدد الجامعات التي تتنافس من باب الاستثمار، وزلزال المعدلات الفلكية بالثانوية الذي وجد من يدافع عنه بحماس وضراوة وكأنه إنجاز وطني، فسياسة الهجوم والتبرير الجاهز، تضع حاجزاً مانعا للرؤية، بعد أن أصبح الإصغاء خبراً ماضياً، والنصيحة تشكيكا وقدحاً.
ملف التربية والتعليم المدرسي والتعليم العالي، هو الملف الأهم لديمومة الدولة واستقرارها، يضاف اليه ملف البحث العلمي بأصوله الصحيحة، واتمنى عقد مؤتمر وطني بكل دولة عربية يجمع أصحاب الرأي والاختصاص من الميدان، فجميع مساهماتنا خلف أسوار المعرفة، ثم اجتماع عربي يلخص ويوحد الأهداف؛ يؤسفني القول بأنه قد تعب الكلام من الكلام بواقع الجامعات العربية المؤسف وللحديث بقية.
الرأي