عشية انعقاد الدورة الثانية من المباحثات الأميركية ـ الإيرانية حول العراق, ألغت دمشق, فجأة, "مؤتمر القوى العراقية المقاومة والمناهضة للإحتلال" الذي كان مقررا انعقاده في العاصمة السورية, أول من أمس, بحضور طيف واسع من الشخصيات والهيئات السياسية والمسلحة, خصوصا السنية.وكانت ترددت أنباء مضطربة عن خلافات عصفت في صفوف المشاركين في المؤتمر, خصوصا بين طرفيّ البعث, أدت الى" تأجيله", لكن كل الدلائل تشير الى أن تلك الخلافات كان يمكن تجاوزها لو كان لدى القيادة السورية, الإرادة السياسية لإنجاز المهمة. وفي النهاية, فقد كان "تأجيل" مؤتمر المناهضين للإحتلال, قرارا سوريا, تم اتخاذه, للأسف, تحت تأثير إيران.
وقد أظهرت المداخلة السورية في الملف العراقي, طوال الشهرين الفائتين, زخما استثنائيا. وبدا أن دمشق أخذت على عاتقها, التزامات وواجبات التدخل العربي في العراق. وقد تفاعلت القيادات العراقية الوطنية, وفي مقدمتها الشيخ حارث الضاري, مع المداخلة السورية, وبذلت جهودا استثنائية في ترتيب الإصطفافات وتقريب المسافات بين أطراف المقاومين والمعارضين العراقيين. وقد تكلف المئات منهم عناء السفر الى دمشق, ومخاطر الإنكشاف الأمني للمخابرات الإيرانية التي سعت الى استغلال الموقف لجمع المعلومات " القاتلة" عن القادة السريين للمقاومة.
كل تلك الآمال الباهظة التكاليف, تحطمت, وظهر للعيان أن دمشق قد سلّمت الملف العراقي, بالكامل, للإيرانيين. وبذلك, يكون العرب قد خرجوا, كلهم, من هذا الملف, وتركوا العراقيين تحت رحمة الصفقة الامريكية - الإيرانية المنتظرة.
"ليس هذا تراجعا سياسيا فقط. انها إهانة للعراقيين", يقول مصدر عراقي حجب اسمه لأسباب أمنية, ويتابع" أن القرار السوري بإلغاء مؤتمر المقاومة العراقية كان متخذا منذ زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الى دمشق, الأسبوع الماضي, لكن من دون إبلاغ المشاركين. فكما لو أنه جرى إحضارهم لإظهار حجم النفوذ السوري في العراق أمام الإيرانيين, لا غير"
ومن المعروف أن العلاقات السورية - الإيرانية, شهدت توترات على خلفية مساعي طهران للتعاطي المنفرد في الملفين اللبناني والفلسطيني, ما حدا بدمشق الى المبادرة الى مداخلة اعتراضية " مؤثرة" في العراق. ومن المرجح أن عودة البلدين الى التحالف الوثيق, قد تمت على أساس تقسيم مناطق النفوذ.
ما زلنا نعتقد أن سورية قد توصلت الى موقع قوي, لم تحزه سابقا, في الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وقد حدث ذلك نتيجة جملة معطيات من بينها الدعم الإيراني. إلا أن خسارة الملف العراقي, سوف يضعف مكانة دمشق الإقليمية, على المدى المتوسط, خصوصا إزاء الاستقلال الفعلي لحلفائها اللبنانيين.
سوف يعود المعارضون والمقاومون العراقيون من دمشق, الآن, خائبين, وليس أمامهم, سياسيا, سوى ثلاثة خيارات: -1- الإندراج في مصالحة مع حلفاء الإحتلال في الحكم -2- أو السعي الى تكوين تحالف وطني عراقي عريض مع قوى دينية ويسارية معارضة للإحتلال من صفوف الشيعة - 3- أو تجديد التحالف مع " القاعدة". وهو الخيار الأسوأ, لأنه خيار التقسيم والحرب الأهلية.
ومن الأرجح أن هذه الخيارات الثلاثة, سيكون لها حضور متفاوت ومتداخل في ردات الفعل العراقية السنية المتباينة, على أفول الخيار العربي. وعلى الجانب الآخر, فلن يكون أمام الشيعة العروبيين, الآن, سوى فرص محدودة لمقاومة " التعجيم".
فهل يمكن لبلد آخر ان يحمل راية العروبة في العراق؟ نعم ! الأردن يستطيع. وهو مؤهل, تاريخيا, لتجديد تحالفه الاستراتيجي مع القوى الوطنية العراقية, من كل المذاهب والإثنيات, في مواجهة التدخل الإيراني, مثلما كان الحال في الثمانينيات.
القيام بهذه المهمة القومية سوف يعطي الأردن مكانته الاستراتيجية التي يستحقها, ويعزز دوره الإقليمي, وقدرته على مجابهة التحديات, وبالتأكيد : تحسين شروط الحفاظ على مصالح الأردن حيال واشنطن وتل أبيب.
أمام الأردن فرصة كبيرة استثنائية ليكون لاعبا اقليميا رئيسيا. دعونا نغتنمها! كل ما نحتاجه هو الجرأة على أن نجترح مبادرة أردنية مستقلة في العراق. وحالما نفعل, سيكون وجودنا حقيقة يصعب على واشنطن أو طهران, وأدها. و لماذا لا نبدأ بعقد" مؤتمر المقاومة والمعارضة العراقية ", ذلك الذي فشلت دمشق في عقده, تحت سماء عمان؟ ألن يكون ذلك اختراقا استراتيجيا؟..