الحركة الإسلامية .. علاقة الفكرة بالفطرة
محمد حسن التل
06-02-2011 04:38 AM
قلنا في الدستور يوم الجمعة الماضية إن الأردن محكوم بنظام يقدم الرحمة على السلطان ، والحوار على الصدام ، وقد تجلت هذه المفاهيم عندما علق جلالة الملك الجرس وأخذ زمام المبادرة كعادته دوماً في حوار كافة مكونات الطيف الأردني ، وفي مقدمة هؤلاء الحركة الإسلامية ، الطيف الأوسع في الشارع الأردني.
والحقيقة ، وللإنصاف ، أن هذا ليس بجديد ولا بمستغرب على جلالة الملك ، فالملك عندما يذهب إلى أبعد نقطة في مملكته ليعالج مشاكل وقضايا جزء من شعبه لا ينسى أيضاً أن هناك في عمان قيادات معارضة لا بد من حوارها بنفسه ، لأنه القوام على الجميع.
الأردن يقوم الحكم فيه منذ ما يقارب القرن من الزمان على المشاركة ، وفي الفترات التي تشتد فيها قتامة الأوضاع العربية ، يبرز الأنموذج الأردني كنموذج مشرق وسط هذه الدوامة التي تعصف بالجميع. والواقع أن هذا التميز يعود لطبيعة الحكم كما أسلفنا ، وكذلك إلى رشاد المعارضة السياسية لدينا ، وعلى رأسها الحركة الإسلامية ، فكل شرائح المعارضة في الأردن تجمع على شرعية النظام وقدسية الوطن والخلاف لا يكون إلا على البرامج والسياسات ، وقد أثبتت الأحداث والسنون أن الحركة الإسلامية التي تتزعم الشارع الأردني المعارض تتمتع بعقلانية ورؤية كبيرتين ، حيث لا يمكن أن يسمح شيوخها وعقلاؤها وحتى قواعدها أن تصل الأمور في هذا الوطن إلى الحائط المسدود ، بل على العكس فقد أثبتت الأيام أنه عندما تطل أي أزمة برأسها على الوطن ، نرى الأيدي البيضاء لأبناء الحركة الإسلامية تمتد لتعالج الموقف بشراكة مع الجميع لتنفيس أي احتقان ربما يؤدي لا سمح الله إلى أي انفجار ، كما ويثبتون دائما أنهم يقدمون المصالح العليا للوطن دائماً.
وللانصاف أكثر فإن الإخوان المسلمين لم يكونوا يوماً عقبة أمام أي إصلاح في الأردن ، وهذا بالطبع يعود إلى طبيعة العلاقة بينهم وبين الدولة ، (ولا نقول الحكومات) تاريخياً هم يعترفون بالشرعية الدينية والتاريخية للحكم الهاشمي ويعتبرون هذا النظام ضمانة لاستقرار الوطن كما كل الأردنيين. ولم يسخّروا يوماً قوتهم في الشارع التي يعترف بها الخصم قبل المحب ضد مصلحة الوطن والجميع يعرف أن الحركة الإسلامية في الأردن لم تسع وراء مبدأ المغالبة وقد أثبتت ذلك بالفعل في انتخابات 89 حيث كان باستطاعتها الحصول على أغلبية في مجلس النواب ولكنها فسحت المجال لغيرها ليكون له حصة في المجلس ، وذلك لتلاقح الأفكار وتنويع المشاركة العامة التي هي أحد أركان مسيرة هذه الحركة. وهم اليوم عندما يجلسون على مائدة الحوار مع رأس الدولة فإنهم يقولون لكل من راهن واهماً على انفصامهم عن مصلحة وطنهم أنهم سيظلون جزءاً أساساً من النسيج الأردني ، وهم يقدرون وطنهم الذي لم يتعرضوا فيه لمحنة حقيقية كما رصد التاريخ في معظم الدول العربية ، من قتل واعتقال وتعذيب ونفي ومطاردة حتى في الأرزاق.
ليس مطلوبا تاريخياً من الحركة الإسلامية أن تكون جزءاً من أي قرار بغض النظر عن طبيعة هذا القرار ، ولكن المطلوب أن تكون هذه الحركة جزءاً أساساً ودائماً في أي قضية وطنية يؤخذ رأيها على محمل الجد ، وأن تكون شريكاً فعالاً في مسيرة الوطن ، لأنها كما قلنا أثبتت أنها دائماَ تقدم المصالح العليا على المصالح الصغيرة ، ففي انتخابات 1993 عندما شعرت هذه الحركة بأن المشاركة في الانتخابات النيابية لا بد منها حفاظاً على مصلحة الوطن العليا وكان شيوخها وكبارها يعلمون أن قانون الصوت الواحد سيكلفهم الكثير لانهم يعتقدون كما يعتقد الكثيرون أن هذا النظام الانتخابي لا يمثل أي مصلحة للوطن ، ومع هذا شاركوا وأعطوا التجربة حقها.
إن أي محاولة غمز في العلاقة بين الدولة والحركة الإسلامية لدينا تبوء دائماً بالفشل ، لأن العلاقة متوحدة على المصالح العليا للوطن والمواطن منذ أن كانت الدولة الأردنية وكانت الحركة الإسلامية .وهذا بالطبع يعود لتفهم النظام الهاشمي لطبيعة الحركة في الأردن وخصوصيتها وكذلك يعود لاعتبار الحركة الإسلامية نفسها جزءاً أساسا من النسيج الأردني وحرصها الدائم أن تظل جزءاً فاعلاً في هذا النسيج ، فهذه الحركة لم تلجأ يوماً إلى البتر ولا إلى القطيعة أبداً ، ربما تختلف مع البرامج والسياسات وقد اختلفت ، وهذا حقها ولكنها لم تسلخ نفسها يوماً عن وطنها وهذا يسجل لعقلائها وشيوخها وكافة أبنائها الذين يعيشون دوماً نبض الشارع.
إن الأردن اليوم يشكل الصورة المشرقة وسط اللوحة المهشمة لوطن العرب ، والينبوع الهادئ وسط البحر العربي الهائج.
إننا إذ ننحني إجلالاً للحراك الملكي الأخير في سبيل حماية الأردن من كل ما يمكن أن يسبب لأبنائه أذى لا سمح الله ، والملك يثبت دائماً أنه حقاً على رأس نظام يستند إلى الشرعية الدينية والتاريخية ، وهذه هي القاعدة التي تحكم نهج النظام عندنا منذ قرن ، فإننا ثانياً نحيي شيوخ وقادة الحركة الإسلامية أصحاب الأيدي المتوضئة الذين دائماً يثبتون أنهم عنصر استقرار للوطن ، ولم ولن يكونوا دوماً إلا معه وله ، وعلى الحكومات أن تضع هذا نصب أعينها دائماً ، ولا تتعامل مع هذه الحركة إلا بحسن النوايا بعيداً عن الإقصاء والاتهام لأن الحركة الإسلامية بفكرها الإسلامي الذي يتحكم بوجدان الأمة لا يمكن إيجاد أي قطيعة بينها وبين الشارع ، فقد باءت كل المحاولات بهذا الاتجاه بالفشل على امتداد مساحة الوطن العربي ، لأن ما تحمله الحركة الإسلامية من فكر يحمله كل مسلم بفطرته ، وهيهات أن تنفصم الفكرة عن الفطرة. ونحن نثق بأن الدكتور معروف البخيت رئيس الوزراء المكلف وهو من السياسيين القلة الذين ينطبق عليهم لقب السياسي المفكر كذلك هو العسكري المخضرم ، والعسكر هم الأقرب لنبض الناس وهم الأقدر على فهم الحقائق وإدراك الأمور أكثر من غيرهم ، والأكثر التحاما بهموم الوطن وأحلامه ، يدرك تماماً طبيعة المعادلة الأردنية والظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة. وحين بادر فور تكليفه بتشكيل الحكومة إلى حوار الحركة الإسلامية ، لا شك أنه كان يدرك أهمية هذه الحركة في الشارع الأردني وعمق وجودها.
لنكن حريصين دائماً على أن يبقى الأردن بكافة مكوناته علامة فارقة على خريطة الوطن العربي التي يغشاها الضباب.
(الدستور)