دور قطاع المياه في تعزيز النمو الاقتصادي
المهندس إياد الدحيات
19-09-2023 12:51 PM
أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني – حفظه الله ورعاه – في عام 2022 رؤية التحديث الاقتصادي التي تمثل خارطة طريق نحو بناء اقتصاد متنوع ومرن، بهدف زيادة الناتج المحلي الإجمالي إلى 58 مليار دينار وخلق 2,6 مليون فرصة عمل بحلول العام 2033. ويتطلب ذلك تمويل رأسمالي بقيمة 41 مليار دينار أردني، يشكل منه التمويل الأجنبي والمحلي من الاستثمارات ومشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص 30 مليار دينار أردني، في حين تغطي الاستثمارات الحكومية المبلغ المتبقي.
وتعد استدامة مصادر المياه بالغة الأهمية للنشاط الاقتصادي والنمو والأمن الغذائي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن التكيف مع الآثار الناجمة عن تغير المناخ. وتحقيقًا لهذه الغاية، استهدفت الرؤية وضع نموذج لإدارة المياه واعتباره من محركات النمو، حيث سيؤدي تناقص إمدادات المياه إلى تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي. ولإطلاق امكانات قطاع المياه، لابد من التفكير بطرق مبتكرة لتطوير عمل القطاع وتهيئة البيئة داخله وتحديد فرص المشاريع للاستثمار في البنية التحتية بالشراكة مع القطاع الخاص.
لقد اعتمد نموذج حوكمة وعمل القطاع تاريخياً على قيام الوزارة بإدارة وتمويل كافة مراحل وسلسلة أعماله واستثماراته من خلال مؤسسات وشركات محدود المسؤولية مملوكة للحكومة، فضلاً عن قيامها بمراقبة وتقييم أداء القطاع، بدءاً من إنتاج المياه ونقلها من المصادر المختلفة حتى تقديم خدمات المياه والصرف الصحي للمواطنين. وانعكس ذلك سلباً على مؤشرات القطاع وانخفاض كفاءة الأداء نتيجة غياب الشفافية وأدوات المسائلة الإدارية، حيث ما زال الوضع المالي والتشغيلي يشكل تحدياً كبيراً مع مديونية تقارب 3 مليار دينار، وارتفاع كميات فاقد المياه إلى ما يقارب 230 مليون متر مكعب سنوياً، وعدم استرداد الكلف التشغيلية، وعدم كفاية الموازنات الجارية والمخصصات المالية المتوفرة لصيانة وتشغيل أصول ومرافق المياه والصرف الصحي وفق المعايير الدولية (والتي تبلغ قيمتها الدفترية حوالي 4 مليار دينار)، مع الاستمرار في تخصيص الجزء الأكبر منها لتغطية كلف الأجور و فاتورة الطاقة المتزايدة.
وهذا يحتم إعادة هيكلة قطاع المياه وتطوير نموذج للحوكمة وخلق بيئة عمل جديدة تتوافق مع المبادئ الواردة في خطة التحديث الاقتصادي وخارطة تحديث القطاع العام لتمكين القطاع الخاص، وإعداد المبادرات والمشاريع لحل التحديات وخلق الفرص التي تساهم في النمو الاقتصادي من خلال إشراك القطاع الخاص في إدارة وتمويل وتملّك أصول ومرافق المياه والصرف الصحي القائمة وتمويل وتنفيذ الاستثمارات المستقبلية وتحسين الأداء المالي والتشغيلي ونوعية الخدمات، مقابل أن يصبح دور وزارة المياه والري مرتكزاً على امتلاك حقوق تطوير مصادر المياه، وخلق البيئة الجاذبة للاستثمارات و التكنولوجيا والشراكات العالمية والاقليمية الاستراتيجية، وكذلك تطوير وبناء قدرات الشركات الناشئة والمتوسطة الوطنية، بعد أن يتم تحويل ملكية شركات المياه القائمة من ملكية حكومية بحتة لتصبح مساهمة عامة بعد أن يتم نقل الأصول لها في مناطق عملها الجغرافية.
وفيما يخص الاستدامة المالية في قطاع المياه التي تعد ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات وتنفيذ مشاريع الشراكة، فقد أشار تقرير النصف الأول لهذا العام المتعلق بتقدم سير العمل لقطاع المياه ضمن البرنامج الحكومي التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي (2023-2025) إلى قيام وزارة المياه والري بإعداد خطة الاستدامة المالية التي تهدف لرفع كفاءة عمليات قطاع المياه وتحقيق الاستدامة الذاتية المالية. ومن ضمن البنود الواردة في هذه الخطة إعداد مقترح لرفع تعرفة المياه للاستهلاك المنزلي، وبنسبة تصل إلى %4.6، بهدف تغطية جزء من مصاريف وكلف تشغيل وضخ المياه، وأعمال الصيانة. من الضروري هنا أن تقوم وزارة المياه والري بالعمل في مسارين متوازيين، وبعد أن تم إقرار تعرفة المياه الجديدة، من أجل حفظ حق الأسر الأردنية في الحصول على خدمات مياه وصرف صحي أفضل وبالتعرفة العادلة وهما، أولاً العمل بشكل جدّي على رفع كفاءة أداء شركات المياه المملوكة للحكومة ونشر تقارير الأداء الخاصة بها بشكل دوري شفاف، وعدم تحميل المواطنيين الكلفة المترتبة على فاقد المياه في تعرفة المياه الجديدة، ومتابعة تخفيض فاقد المياه الناتج عن عدم كفاءة العمليات، حيث أن ارتفاع نسب الفاقد تؤدي إلى خسارة إيرادات نتيجة عدم فوترة المياه وبالتالي زيادة العجز المالي للقطاع، وثانياً إطلاق منصة إلكترونية بهدف توعية المواطنيين حول الأسس التي تم اعتمادها لتحديد عدد شرائح الاستهلاك وقيمة الدعم لكل شريحة استهلاك حسب التعرفة الجديدة بشكل شفاف، وتوضيح طريقة احتساب الفواتير الشهرية ونشر ايضاحات تبيّن كميات الاستهلاك الشهرية وقيمة الاستهلاك القديمة والجديدة واستقبال الاستفسارات والشكاوى بشكل مستمر ودراسة إمكانية تقديم صندوق المعونة الوطنية دعماً نقدياً مباشراً للأسر الفقيرة التي لن تتمكن من دفع ما يترتب عليها من قيم الفواتير الشهرية.
ويتم كذلك اعتماد المنصة لإيصال رسائل مستمرة حول كل ما يتعلق بتقدم سير العمل في تنفيذ خطة الاستدامة المالية لقطاع المياه ومؤشرات أداء قطاع المياه.
ويعتبر قطاع المياه من القطاعات الرئيسية التي نفذت مشاريع الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص والتي تم تمويلها بالكامل من القطاع الخاص، حيث تم سابقاً تنفيذ كل من مشروع جر مياه الديسي الذي بلغت كلفته الرأسمالية مليار دولار أمريكي والذي يوفر حالياً 100 مليون متر مكعب سنوياً من المياه، ومشروع محطة تنقية مياه الصرف الصحي في الخربة السمراء التي بلغت كلفتها الرأسمالية بمرحلتيها 350 مليون دولار أمريكي والتي تعالج 70% من كميات الصرف الصحي الناتجة في المملكة. ولقد شهدت السنوات الماضية بعض المحاولات في تنفيذ عدد من مشاريع الشراكة الأخرى كمشروع ناقل البحرين والمشاريع التي انبثقت عن مؤتمر لندن عام 2019 دون أي جدوى.
ولعل تنفيذ مشروع التحلية والناقل الوطني للمياه الذي تزيد كلفته الرأسمالية عن 3 مليار دولار أمريكي سيساهم بشكل كبير في تحفيز الاقتصاد الأردني وزيادة التنمية الاقتصادية بأوجه متعددة ويحقق الأمن المائي المنشود. ولابد من تسريع وتيرة عمل المشروع الذي جرى تأجيل استلام عروضه مرات عدة، عن طريق فصله لجزئين دون تأخير تنفيذ أحدهما على الآخر وهما نظام نقل المياه الوطني الاستراتيجي ومحطة تحلية المياه في مدينة العقبة، على أن يتم توثيق هذا الفصل من خلال دراسة جدوى مفصلة يتم إعدادها من قبل طرف ثالث محايد معيّن وبمشاركة من قبل كافة الجهات التمويلية الدولية والخاصة التي التزمت بتقديم التمويل للمشروع، على أن يتم إستشارة الشركات المهتمة بالمشروع بنتائجها حتى يتم تفادي عدم الحصول على عدد كافٍ من المطورين من المشروع في فترة لاحقة.
وختاماً يجب الاسراع في تنفيذ المزيد من المشاريع في قطاع المياه على مبدا الشراكة من أجل تحقيق الأمن المائي وخلق فرص العمل للشباب ودعم القطاعات الأخرى وجذب الاستثمارات العالمية والمحلية. وهنالك مجموعة كبيرة من المشاريع التي يمكن طرحها للقطاع الخاص (التي تبلغ قيمتها حوالي مليار دولار) مازالت بانتظار اتخاذ القرار منذ فترة ومنها مشاريع إعادة تأهيل المرافق القائمة ومشاريع تشغيل وصيانة المرافق المياه والصرف الصحي من شبكات مياه ومحطات معالجة الصرف الصحي التي من شأنها تحقيق النمو الاقتصادي المنشود.
* المهندس إياد الدحيّات / الأمين العام الأسبق لسلطة المياه