يأتي الاحتفال باليوم العالمي للسياحة في 27 سبتمبر من كل عام، بهدف التوعية العالمية لأهمية صناعة السياحة وقيمتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية، حيث تبنت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة على إعلان يوم السياحة العالمي في اجتماع عُقد في إسبانيا عام 1980، وقد تم اختيار هذا التاريخ ليتزامن مع الذكرى العاشرة لاعتماد النظام الأساسي لمنظمة السياحة العالمية في 27 سبتمبر 1970، ويعد يوم السياحة العالمي بمثابة دعوة للمجتمع الدولي والحكومات والمجتمعات المحلية، والمؤسسات المالية المتعددة الأطراف وشركاء التنمية ومستثمري القطاع الخاص وكافة أطراف صناعة السياحة المعاصرة، للعمل بشكل متناسق للنهوض بالقطاع السياحي الدولي، والذي يعد من أهم مكونات الاقتصاد العالمي الذي يقود قاطرة التنمية على المستوى الدولي.

تتمحور أهم أهداف يوم السياحة العالمي لهذا العام، بالتركيز على قضايا أساسية في صناعة السياحة المعاصرة في الوقت الراهن، فجاء شعار عام 2023 يركز على الاستثمار الأخضر المستدام، وخاصة في ظل التأثيرات المتسارعة في صناعة السياحة، والمتمثلة بالتغيرات المناخية العالمية، إلى جانب تأثيرات الذكاء الاصطناعي، والسياحة الافتراضية في سوق السياحة العالمي، مما أدى إلى توجه جديد في صناعة السياحة يركز على الاستثمار السياحي الأخضر المستدام في الوقت الراهن، بما يشمله من استثمارات سياحية تتواءم وطبيعة المجتمعات السياحية وبيتها الطبيعية، ضمن تناسق عام يحقق التنمية البشرية للإنسان والتنمية الطبيعية لكوكب الأرض، مما يؤدي إلى تناسق مسارات التنمية البشرية والطبيعية بشكل مستدام يحقق الازدهار والنمو المستدام في المواقع السياحية.

يتبين لدينا من خلال تحليل شعار يوم السياحة العالمي الاستثمار الأخضر والسياحة 2023 ، بأنه يركز على ثلاثة محاور رئيسية ضمن مفاهيم رأس المال البشري والإنتاجي والطبيعي، فرأس المال البشري في صناعة السياحة المعاصرة، يتمثل بالمهارات والخبرات التي يمتلكها العاملين في قطاع صناعة السياحة والضيافة، من هنا نوجه دعوة لكافة الدول التي تهتم بالرقي في قطاعها السياحي بالاهتمام من خلال التدريب والتعليم السياحي القائم على مفاهيم الريادة والابتكار والابداع في تأهيل الخبرات والكفاءات التي تعمل في صناعة السياحة والضيافة المعاصرة، والعمل على الارتقاء برأس المال البشري لديها، وخاصة في مجال تمكين وبناء قدرات المرأة للعمل في قطاع السياحة، وكلما كانت هذه الخبرات نوعية ونادرة ارتفعت قيمة رأس المال البشري، ويعد هذا النوع أهمّ أنواع رأس المال على الإطلاق؛ فالعديد من الدول السياحية الناجحة والمتطورة تمكنت من أن تكون رائدة على مستوى العالم في قطاع السياحة على الرغم من قلة مواردها الطبيعية والأثرية، ولكن استطاعت من خلال الاستثمار الأمثل في تطوير رأس المال البشري من تحقيق النجاح .

نشير هنا إلى المحور الثاني من تحليل شعار يوم السياحة العالمي، والمتمثل بالمقومات التراثية والأثرية هو ثاني أنواع رأس المال، فالقاعدة الأساسية في صناعة السياحة، تشمل ضرورة الاهتمام بحماية المواقع السياحية واستدامتها، ومواجهة كافة التحديات الطبيعية من تغيرات مناخية وأخطار الفيضانات وزحف التربة والزلازل والبراكين وغيرها من الأخطار الطبيعية، وكذلك البشرية، بما تشمله من تعديات على بنية المواقع السياحية، من هنا نشير أن شعار يوم السياحة العالمي يركز ضرورة الاستثمار الأخضر في المواقع السياحية، بإقامة المنشآت السياحية والفندقية ضمن البيئات السياحية بما يتواءم ومكافحة الأخطار الطبيعية والبشرية والتغيرات المناخية، مما يسهم في زيادة انتاجية وتطور صناعة السياحة، وترتبط إنتاجية هذا النوع برأس المال البشري، فلا قيمة له في غياب رأس المال البشري.

بينما يركز المحور الثالث لتحليل شعار يوم السياحة العالمي لهذا العام 2023 على رأس المال الطبيعي، ثالث أنواع رأس المال في صناعة السياحة، ويشمل الموارد الطبيعية، وهي مهمة في صناعة السياحة، ولكن يوجد العديد من الدول الغنية بالمقومات الطبيعية ولكنها تفنقد إلى صناعة السياحة، من هنا نوجه دعوة إلى تعزيز وتبني الاستثمار الأخضر في هذه الدول للنهوض بالقطاع السياحي من خلال تكاملية ثلاثية تشمل القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية بما يضمن تحقيق الاستدامة والنمو لهذه الدول.

إن اجتماع رأس المال الطبيعي مع رأس المال البشري والحضاري من شأنه خلق قيمة مضافة للدول، على الرغم من تعدد أنواع رأس المال في صناعة السياحة وتباين أهميتها، إلا أنها تعد مكملة لبعضها، فتضافر رأس المال البشري والإنتاجي والطبيعي من شأنه تحقيق صناعة سياحية مستدامة وهذا جوهر شعار يوم السياحة العالمي لهذا العام.

يركز شعار يوم السياحة العالمي على وضح خارطة طريق واضحة المعالم في تغير مفاهيم الاستثمار السياحي، والتوجه نحو الاستثمار الأخضر، ضمن مفاهيم ترتكز على إطار شمولي للإستثمار السياحي الجديد يركز على المجتمعات المحليات (التعليم والتمكين وبناء القدرات) ،الأرض (الاستدامة ومواجهة التغيرات المناخية والأخطار الطبيعية)، والازدهار (الشباب والتعليم المهني والابتكار والابداع)، وخاصة مع التوجهات الجديدة للإستثمار في صناعة السياحة بعد وباء كوفيد.

ختام القول إن شعار يوم السياحة العالمي 2023 يتميز بشمولية التفكير في إدارة الاستثمار السياحي في ظل بيئات متغايرة ومتسارعة في صناعة السياحة على المستوى الدولي، من خلال انتشار مفاهيم السياحة الرقمية وتطبيقات تقنيات الميتافيرس والهوليغرام وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة الضيافة والسياحة، مما يشير إلى ضرورة مواكبة الاستثمار السياحي ضمن المفاهيم المعاصرة والتركيز على الاستدامة في بناء المدن والاستثمارات السياحية الذكية، وتحقيق أعلى معايير الرفاهية في صناعة السياحة المعاصرة.

*أ.د ابراهيم الكردي – الجامعة الأردنية فرع العقبة
i.bazazo@ju.edu.jo