لم تمض سوى بضعة أيام على زلزال الحوز في المغرب والذي أدى إلى ما يقارب 3000 ضحية وخمسة آلاف جريح إلا ونحن نشهد فاجعة أخرى يخلفها هذه المرة إعصار دانيال في ليبيا تحديدًا في منطقة درنة حيث أدى انفجار سدين محيطين بالمدينة بسبب شدة الأمطار إلى نتيجة كارثية على الصعيد الإنساني والمادي، فقد نتج عنه حتى الآن آلاف القتلى وعشرة آلاف مفقود وأدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من المدينة في مشهد يندى له الجبين ويؤلم كل ذي قلب وضمير.
لكن من المهم بعد إفراغ شحنات الوجع والألم هو استخلاص العِبر من الحدث بدراسة الإجراءات أثناء الكارثة، هل كانت صحيحة وما هي الأخطاء والثغرات التي شابتها؟ ففي زلزال الحوز المغربي كان لحضور الدولة القوي الأثر المباشر في جلب المساعدات من المجتمع الدولي بشكل كبير وسريع وموجه حسب الاحتياجات وضرورتها، وهذا أدى رغم وعورة المنطقة إلى تدفق الدعم المحلي والدولي، مما انعكس على نسبة الإصابات وعدد الوفيات، أما في درنة حيث ليبيا منقسمة إلى حكومتين متصارعتين، حكومة في طرابلس وأخرى في بنغازي، مما أربك المجتمع الدولي حول الكيفية التي يمكن فيها إيصال المساعدات إلى المنطقة المنكوبة وهذا انعكس على حجم الوفيات والمفقودين، وسبب عدم قدرة الأطراف الدولية على تحديد الأولويات في توجيه الدعم إلا بعد حين، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين لدى المجتمع الدولي في تقرير حجم الكارثة بسبب تضارب التصريحات في بداية الفاجعة.
على العكس من مشهد الارتباك الرسمي، كان الوضع على صعيد المجتمع المدني الليبي حازماً وصادماً لكل المراقبين، إذ وبدون مقدمات سارع هذا المجتمع لتقديم النجدة لإخوانه في درنة بدون أي تباطؤ، وهذا يؤكد وحدة الضمير الوطني الليبي على العكس مما يروجه السياسيون المتصارعون والذين يحاولون التأكيد على أن صراعهم على السلطة في ليبيا إنما هو انعكاس لرغبة القواعد الجماهيرية، وأن ما يحصل من احتراب عسكري وسياسي لا يجسد رغبة هؤلاء السياسيين بل رغبة القوى الاجتماعية الفاعلة في الوطن الليبي، والظروف تثبت أن هذا ليس إلا محض افتراء ولا يمت للواقع بصلة، وأن الليبيين يشعرون بأنهم كيان واحد إخوة وأشقاء، وهذا ما أثبتته كارثة درنة التي أكدت أن الوجع الليبي واحد، وجسد ذلك قوافل الفزعة كما يطلق عليها الليبيون والتي ضاقت بها الطرقات الليبية وهي متوجهة إلى درنة للدرجة التي دفعت بأحد المسؤولين الليبيين للقول إن في درنة فائض كبير من المساعدات الإنسانية، ويثبت أن الدم الليبي واحد وإن فَرّقَه السياسيون والمصالح الدولية التي تريدهم أن يبقوا منقسمين.
السؤال الجوهري هل يقرأ المتصارعون على الأرض هذه الرسالة ويبادرون إلى صلح وطني يتجاوز مصالحهم الشخصية والتدخلات الدولية والإقليمية يجسد الحالة الوطنية التي عبر عنها المواطنون الليبيون في كارثة درنة؟ السؤال رهن المستقبل، لكن يبرز إلى الذهن سؤال آخر يتعلق بأهمية إنشاء مركز عربي وإقليمي نوعي مهمته مساعدة الدول المنكوبة بمثل هذه الحالات الجوية المتطرفة من زلازل وعواصف بالذات بعد تكرارها خلال السنوات الأخيرة بشكل ملفت للنظر، وبذلك تكون أرواح القتلى في ليبيا قد أحيت روح الوحدة في البلد، ويكون زلزال الحوز المغربي وإعصار دانيال في ليبيا سببًا في ولادة فكرة مركز عربي إقليمي للكوارث، ألن يكون هذا المركز إنجازاً عظيماً وتكريماً لأرواح من قضوا في هاتين المأساتين.
"الغد"