ثقافة " تمجيد الشهادات " وماذا بعد ؟
فيصل تايه
19-09-2023 12:26 AM
بعكس الدول المتقدمة ، فالمعادلة في تفكيرنا مختلّة ، حيث كل عام تستقطب الجامعات عدداً كبيراً من الطلبة ، وتُخرّج أعدادًا "فظيعة" منهم ، معظمهم يلتحقون بسوق البطالة ، في حين سعداء الحظ منهم يعثرون على فرص بأجر زهيد ، ذلك لاننا ترّبينا تاريخيًا على ثقافة "تمجيد الشهادات" حتى لو بقي أصحابها دون عمل ، في حين تشكلت لدينا صورة نمطية سلبية عن الملتحقين بالتعليم المهني والتقني ، بأنهم من الطلبة ضعاف التحصيل الدراسي ، لكن الحقيقة التي لا نريد أن ندركها أن الحاصلين على "شهادات مهن" يعملون سريعًا جدًا، على عكس حملة الشهادات التقليدية، الذين ينتظرون وظائف عمومية لا تستوعب ١٠% من الخريجين ، لنعترف أن الشهادات الأكاديمية "لم تعد السلاح الأنسب لمواجهة تحديات الحياة"، فيما غابت عنا "ثقافة التعليم المهني والتقني" لسنوات .
في السنوات الأخيرة برز مفهوم "اقتصاد المعرفة" عالميًا ، وفيه تخلّت الشركات الكبرى المعروفة عن الشهادات شرطًا للتوظيف ، وأعطت الأولوية لإتقان المهارات ، وهو ما يدعونا اليوم إلى عدم اعتماد الخريجين على تخصصاتهم في التوظيف، بل تحفيزهم لامتلاك مهنة أو مهارة لتوجهٍ بديل ، فالخرّيجون اليوم حتى يضمنوا وظيفة ، لا بد لهم من معرفة تكنولوجية عميقة، وإتقان أكثر من لغة، ومهارات شخصية وقيادية، بغض النظر عن تخصصاتهم ، فالواقع المأساوي الحالي أننا نُخرّج الجامعيين لندفعهم إلى العمل دون ان يجدوا عمل ، فيما أصبح التوجه الان نحو تجميد التخصصات التي تعاني بطالة مرتفعة ، والتأكيد على أهمية تدريس مساقات ريادية تحث الخريجين على التفكير الإبداعي في مشاريع مستقبلية.
الان وبعد حين ، ادركنا اننا امام تحديات معرفية وعلمية وتكنولوجية هائلة وضخمة اذا لم نستوعبها استيعاباً جيداً سنظل ندور في حلقات فارغة ، ونكون بعيدين كل البعد عن مفاهيم العولمة والتوجه العلمي المبرمج ، وثورة المعلومات والاتصالات ، فكان علينا اعادة النظر في منظومتنا التعليمية والعمل على تأهيل الطالب تأهيلاً علمياً وتكنولوجياً ومهنياً وتقنياً عالياً ، فهو مفتاح عملية التنمية الانسانية الشاملة ، بل عامل مهم وحاسم في نجاح او فشل العملية التعليمية التربوية في أي مجتمع من المجتمعات النامية او المتقدمة..!!.
الان وبعد اعادة النظر في مخرجات منظومتنا التعليمية ، من خلال خطة تطوير امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) بشكل جذري، وبالتزامن مع تطوير التعليم المهني، وتحسين البيئة المدرسية ، ليكون ذلك المرتكز الاساسي للمضي في خطوة تطوير النظام التعليمي بشكل عام ، فجاء توجه صاحب القرار لمراجعة جذرية ، من خلال التطوير والاستثمار في التعليم المهني ، حيث ما تقوم به وزارة التربية والتعليم وما يدور في خلد وزيرها الطموح من افكار هو تغير جذري في العقليه التي سادت لسنوات رغم الكثير من المحاولات التي كان مصيرها الفشل .
وأخيرا فان خطة الوزارة التحديثية تدفع الى توجيه الطلبة وتصنفيهم لمسارات تعليم مهنية وتقنية وأكاديمية في المرحلة الدراسية التي ما قبل الجامعة، حسب قدراتهم، من أجل جسر الهوّة بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق ..
والله ولي التوفيق .