عندما وقف القائد عبدالله التل على أسوار القدس بعد هزيمة ١٩٤٨ وكان قد استطاع هو ورفاقه من الجيش العربي أن يحفظوها من السقوط ، رأى عجوزا تحمل على ظهرها متاعها القليل تمشي مبتعدة عن أسوار القدس وأبوابها ، قال لمن معه أن كل خطوة تخطوها هذه المرأة مبتعدة عن القدس تقترب المدينة من مصيرها المحتوم ، لأنه كان يدرك أن المسألة مسألة وقت لسقوط القدس بيد الصهاينة ، ولأنه كان يفهم الظروف المحيطة التي ستؤدي إلى الكارثة ، لذلك قال قولته المشهودة للفلسطينيين بيعوا أبناءكم واشتروا بثمنهم سلاحا لأن العرب قد تخلوا عنكم !!
اليوم تعيش القدس أشد أيامها سوادا وأكثر مراحل تاريخها خطورة ، فقد ابتلع الغول الإسرائيلي معظمها ، ولم يبق إلا القليل في ظل تخل كامل عنها وعن كل فلسطين عربيا وعالميا إلا تلك القلة التي لازالت تتمسك بالدفاع عن القدس وهي مغلوبة على أمرها لأنها تقف لوحدها .
أبناء القدس المرابطين فيها هم من يتحملون الأن عبء الدفاع عنها وعن الأقصى المستباح من القدم الهمجية ..إسرائيل اليوم تنفذ مخططها بتسارع كبير نحو السيطرة على الأقصى وكما أشرت وسط سكوت مريب من الجميع يشير الى امتلاكها الضوء الأخضر لذلك ، فقد استطاعت أن تقطع شوطا كبيرا مخيفا على طريق التقسيم الزماني ، ولم يعد أمامها سوى إعلانها عن تحقيق هذا الهدف وجعله واقعا ، وعلى الجناح الآخر للمشروع تمضي سريعا على طريق التقسيم المكاني للحرم ، وفي ضوء ظروف الصمت على هذا ستحقق هدفها وستخلق أمرا واقعا على الأرض ، ولا تجد أمامها على هذا الطريق إلا مقاومة المقدسيين وأشقائهم في كل المدن الفلسطينية الذين بجهدون في عرقلة هذا المشروع بما يملكون من دماء وأرواح وصمود .
المعادلة التي يتعامل معها العالم في الوقت الراهن مع مصير القدس تبدو واضحة وهي ترك الصهاينة تنفيذ مشروعهم فيها ، وهذا الصمت المريب على ما يحدث هناك هو جزء من هذه المعادلة أوبالأحرى الاتفاق في ظروف عربية وإسلامية غاية في السوء وسط انكفاء كل طرف منهم على نفسه ، واعتبار القضية الفلسطينية عبئا يجب الخلاص منه مهما كانت النتيجة ، وهذا واضح تماما من تراجع أو حتى اختفاء الإهتمام بما يجري في القدس ، وهو بالتأكيد أمر مدروس ومخطط له ضمن مشروع كبير بدأ تنفيذه لتصفية القضية برمتها ، لكن القرار سيبقى لأولئك المرابطين على الأرض الذين سيفشلون هذا المخطط بمقاومتهم وصمودهم .
القدس اليوم تقف على رأس شلال دم لن يتوقف هديره في وجه أصحاب العار أصحاب الوجوه السود الذين يتآمرون أو يقفون صامتين على الجريمة ، فالصمت الآن خيانة أيضا .
سيقول البعض أن هذا الحديث خطابات لا فائدة منها لكن تاريخ القدس وفلسطين ومراحله عبر الزمان تؤكد إن فلسطين وقدسها دائما كانت كما هي بعين الضبع تكون بعين الله تعالى ، وأن الأجيال لن تقبل بهذا الواقع وستقلب الطاولة على كل من يجلس عليها متآمرا من أجل أثمان رخيصة ، هذه سنن تاريخ فلسطين وهذه سنن الذين رابطوا على أرضها والذين يرابطون الآن ، فهؤلاء بالنسبة للصهاينة ومن معهم وخلفهم هم القلعة الكأداء ويعلمون أن مشروعهم لن يستطيع تجاوزها ولكنهم سيظلون يحاولون!!