التكريم لطلبة التوجيهي الأوائل بين الأهمية والأثر
د. ضرار مفضي بركات
18-09-2023 01:19 PM
يأتي هذا المقال مُعرفاً لماهية التكريم بالمنجزات(النجاح والتفوق) كشكر دائم وموصول؛ فالتكريم عملية إبداعية وبنائية متكاملة في تحقيق الثمار والنتائج المرجوة والمحفزة للاستمرار والرعاية والاهتمام؛ لخدمة الفرد والمجتمع والوطن ككل؛ ولقد جاء هذا المقال على أقسام، كما يلي:
القسم الأول: دور التكريم وأهميته وآثاره على الأفراد والمجتمعات:
يُعد التكريم بالمنجزات(النجاح والتفوق) من المظاهر الحضارية، التي تنم عن مبدأ التقارب والتآلف والمودة بين الناس، فُيشعر المُكرم بالأهمية والتعاطف من قبل محبيه ومحيطه ومجتمعه، بالذي يولد لديه الثقة العالية بنفسه، ويدفع به قُدماً للإبداع والتميز والجودة والإتقان، ولقد حرصت عليه الكثير من المؤسسات الرسمية والتعليمية والجمعيات المدنية في البلدان المتقدمة التي تحترم وتقدر مواطنيها، فلاقت ثماره ونتائجه.
والتكريم بصورة عامة ما هو إلا ترجمة للاحتفاء والاهتمام بمن يستحق الاحتفاء، سواءً بمنح الدروع أو الشهادات التقديرية والهدايا، وحتى المبالغ النقدية والعينية؛ تكريماً لهم على أعمالهم وانجازاتهم المثمرة، ذات النتائج الحقيقية والملموسة، أو حتى المتوقعة والمأمولة منهم مستقبلاً؛ كحافز ودافع؛ لتحققها وأهميتها، وبالأخص الطلبة الأوائل في الثانوية العامة التوجيهي؛ لأنهم اشراقة المستقبل ولبناته الأساسية، وعنوان للإبداع والتطوير، الذي يحقق المصالح والمنافع العامة، خدمياً وتنموياً، علمياً وعملياً؛ لقوله عليه الصلاةُ والسلام: "خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ".(السيوطي، الجامع الصغير وزيادته، ج1، 5600، رقم(5600). والحديث(حسن).
القسم الثاني: جانب من مجريات تكريم إدارة بلدية غرب بالتعاون جامعة جدارا للطلبة المتفوقين في التوجيهي:
أقامت بلدية غرب إربد بالتعاون مع جامعة جدارا، تكريماً وإحتفالاً للطلبة المتفوقين في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة من أبناء وبنات مدارس البلدات والمناطق التابعة للبلدية، والذي كان تحت رعاية رئيس هيئة مديري جامعة جدارا الدكتور شكري المراشده؛ احتفاءً بهؤلاء الطلبة وأولياء أموهم، بهدف تشجيعم، ودعمهم وحثهم على التفوق والتميز الدائم.
وهذا التكريم يعزز ويؤكد أهمية الجانب التربوي الإبداعي؛ تفوقاً وتميزاً، والذي يأتي في إطاره العام والخاص؛ لتحفيز وتشجيع الطلاب على التفوق الدائم والتميز المستمر، وحثهم على مُضاعفة جهودهم، قدماً وعطاءً؛ لخدمة مجتمعهم وبلدهم، وأن يكونوا خير عنوان للبذل والعطاء لهم ولغيرهم مستقبلاً، وخاصةً ببث روح المنافسة الإيجابية بين طلاب المدرسة إلى المرحلة التي تليها الجامعة: وما فيها من إبداع علمي وعملي بالدراسات والبحوث العلمية، التي هي من أفضل الأعمال التي يجب أن يبدع بها طالب الجامعة، ولينتهي به المطاف بأن يكون مُميزاً بإنتاجه، كباحث وعضواً فاعلاً لمؤسسته ولمجتمعه ووطنه؛ قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (11: المجادلة).
ومن الفعاليات التكريم أيضاً:
-ألقى رئيس بلدية إربد جمال البطانية: " نلتقي اليوم لنحتفل بتكريم كوكبة من طلبة التوجيهي من كافة الفروع .. وقال: "إن النجاح بداية رحلة جديدة في البناء، وها نحن اليوم نتقلد فرحة النجاح، ونصل مرحلة الفلاح في بلد أعز الرجال فهنئياً لكم تفانيكم وسهر لياليكم".
-وكما ألقى الدكتور المراشده كلمة خلال الإحتفال قال فيها: "أن التعليم أصبح حاضراً شعار الأمم الذي تبذل فيه كل الطاقات والإمكانات لتحقيق نتائج عالمية ملموسة".
وأشار أيضاً إلى "أن التعليم لم يعد مجرد تلقين تقليدي، بل يعد من معطيات التكنولوجيا الحديثة ويقوم على التخطيط الإستراتيجي المحكم، حيث بات الطالب محور التعليم والأستاذ موجهاً أعلى للعملية التعليمية، وأصبحت عملية التعليم تشاركية بين المعلم والطالب". (نقلاً عن صحيفة الغد، https://alghad.com).
القسم الثالث: في الخلاصة والنتائج، موجزاً للأهمية، كما يلي:
أولاً: التكريم وسيلة فعالة ومحفزة للانجاز والعطاء المستمر:
كما تقدم من أنَّ "التكريم" وسيلة فعالة لكسب رضا الناس وحبهم، يلبي رغبة نفسية دائمة، وحاجة روحية مستمرة، لا يعرف الاكتفاء أبداً، ويطلب المزيد المستمر من غداء الروح، الذي يبقى أثرهُ طويلاً، بعكس الغذاء الجسدي، الذي سرعان ما يصل إلى الاكتفاء، كالعطشان مثلاً الذي ينتهي عطشه بمجرد تناوله الماء، ولا يمكنه شرب المزيد، كما الجائع الذي يصاب بالتخمة إذا أفرط في الأكل، أما الرغبة الروحية في التكريم، فلا تتوقف عن طلب المزيد، ولا تصاب بتخمة، مهما بُولغَ في التكريم؛ لأنها مثل هذا التكريم والمبادرات (جماعية أو فردية) لها من أثرها في توظيف المهارات العلمية والعملية والمعرفية، وسبيل لإزالة الحواجز الفكرية بين جميع فئات المجتمع، ونشر ثقافة العمل التعاوني النشط، وتشجيع روح التنافس في المجالات المختلفة، بل وتشجيع ثقافة البحث والتأمل والقراءة والتصميم والإنتاج وكل ما هو مُميز بنتائجه الخدمية والتنموية.. لذلك قالوا: " من إجتهد اليوم، فإنه سيذوق طعم اجتهاده غداً".
ثانياً: التكريم من أسس الحضارة وتوظيف الطاقات:
يمكن القول بأنَّ كل حضارة تّرسم البهجة على مجتمعها تكون بجهدها، واستثمارها للأفكار النوعية، وبانجازاتها ونجاحات أبناءها المستمرة والعمل على توظيف طاقاتهم الحيوية، المادية والمعنوية في البناء والفاعلية في المجتمع، واستثمار الأفكار وهذه الطاقات بمجموعها على المستوى الفردي، والجماعي، ويقول: المفكر "مالك بن نبي": (( أنَّ كل مجتمع يبني نظامهُ الفكري، للنموذج الأصلي، لحظاتهِ، بما يتجذر من محيطه ووسطه الثقافي الأصلي؛ ليُحدد سائر خصائصهِ، التي تميزهُ عن الثقافات، والحضارات الأخرى)).
ثالثاً: التكريم من المقاصد الشرعية والتربوية والاجتماعية؛ توجيهاً وإرشاداً ومتابعة:
وفي الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-:"احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" (مسلم، صحيح مسلم (باب في الأمر بالقوة وترك العجز)ج4، 252، رقم(2664).. فهذا الحديث يحثنا قُدماً على ما يلي:
1-الحرص على تتبع المنافع، والأخذ بالأنفع، والاستمرار في العمل مجتهداً وعدم العجز، واليأس، مستعيناً بالله –عز وجل- وهذا من وظائف التكريم.
2-القوة والعزم والإصرار في الانجاز والعطاء، وتحقيق الرؤى المستقبلية، والأهداف، ذات النتائج المتوقعة.
3-الحرص على كل ما ينفع الفرد، والمجتمع، والإنسانية جمعاء، من الفضيلة والخيرية.
4-الحرص على منهجِ: (التعلم والتعليم) وتطويرهما، ولدورهما في الرقي والحضارة؛ ذات: (الأصالة والحداثة).
وأخيرا فإن التكريم لهولاء الطلبة المتميزين، سيأتي بثماره العلمية والعملية، لأن التكريم كما تقدم عملية مُتكاملة ومرحلة للبناء الفاعل، ولبنة أساسية نحو كل ما هو مُميز من الإبداع والانجاز المحقق للنتائج الحقيقية والملموسة، وهذا هو الأساس في تميز المجتمع عن غيره من المجتمعات.
والتكريم والشكر منهج نبوي تربوي واجتماعي؛ قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: "لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ" (ابن حبان، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، "ذكر ما يجب على المرء من الشكر لأخيه المسلم عند الإحسان إليه"، ج8، 198،(3407).
والله الموفق لا ربّ غيره.