الروس يصدحون للوطن ويهتفون للنصر
د.حسام العتوم
18-09-2023 12:49 PM
بين 13 و 16 / سبتمبر / 2023 شاركت في إحتفاليات مدينة " روسوش " وسط محافظة فارونيج جنوب العاصمة موسكو بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المدينة التي سميت بالعهد السلافي " راسوخا " و يمر فيها نهر الدون ،و هي التي احتفلت أيضا بانتصارها في الحرب العالمية الثانية 1943/ 1945 في ميدان الدبابة بحضور مسؤولين المدينة ومنهم رئيس بلديتها، و التقيت قبل ذلك برئيس إدارتها ميشانكوف ، وهي المدينة الباسلة في التاريخ الروسي التي تصدت للنازية الألمانية ، و تطهرت من أتباعهم الإيطاليين و المجر الذين أمضوا نصف عام فيها وفي بيوتها ، و أزالت مع بداية العملية الروسية الخاصة العسكرية المجسمات الإيطالية التي رسخت التاريخ الإيطالي المتطرف ، والمعروف هو بأن إيطاليا بنت في المدينة مدرسة أطفال قربانا للصداقة بعد الحرب الثانية و إعتذارا عنها ، و روسوش مدينة زراعية متميزة تمتلك حوالي 140 الف هتكار من الأراضي الصالحة للزراعة تخضع للملكيات الخاصة ، حيث تزرع عباد الشمس الذي تنتج منه الزيت ، إلى جانب الخضار و الفواكه ، و تعتبر بحق سلة تفاح و خير منطقة جنوب موسكو ، و رغم شوارعها الرئيسة الداخلية و الخارجية جيدة التعبيد إلا أنها تعاني منذ فترة زمنية طويلة جدا من عدم تعبيد 60% من شوارعها الداخلية والتي هي ترابية الان ، في زمن يعتلي فيه بناء القطاع الخاص على شكل فلل ومنها العملاقة الجميلة ، بينما تحيط بها شوارع ترابية ، و آن الأوان أن تتنبه موسكو العاصمة لضرورة تعبيدها و لقد طال الإنتظار ، وعدد كبير من سكان المدينة فقدوا الأمل بمثل هكذا توجه، وشخصيا لمست محبة سكان المدينة لها لدرجة الإفتخار، و الشوارع المعبدة تنتشر في القرى المجاورة وتحيط بها من كل جانب، و الغريب هنا هو أن المواطن ساكن المدينة لا يشكو والصحافة لا تكتب و المسؤول لا يهبط للشارع ليسجل بنفسه حاجات المدينة الخدمية إلا نادرا.
و مدينة "روسوش" التي أتحدث عنها تبعد عن موسكو 800 كلم ، و أكثر من 50 كيلومترا عن حدود مدينة خاكوف الاوكرانية ، و حوالي 300 كلم عن إقليم لوغانسك و مدينة " ماريبوبل " المحررتين ، وتعتبر من المدن المحاددة لجبهة القتال الروسية – الأوكرانية من جهة الغرب ، و على مقربة من مدينة " بيلغاراد " الأكثر قربا من الجبهة ( 16 ) كيلومترا ، وهي ، أي "روسوش" من مدن المظاهر العسكرية ، وهي ناشطة ثقافيا ، و تملك بيتا ثقافيا ، و قصر ثقافة ، ومتحف للبقر فريد من نوعه على مستوى البلاد الروسية الواسعة ، و لقد صدح شبابها و شاباتها و كبار السن فيها من أهل الفن لتمجيد الوطن عبر الغناء الوطني ، و هتفوا للنصر الذي تنتظره روسيا الإتحادية و شعوبها ، و هو الذي بدأت تظهر ملامحه بقوة على المستويين العسكري و السياسي ، و أقصد من خلال النجاح الروسي الرسمي بتشكيل عالم متعدد الأقطاب يمثل شرق و جنوب العالم ، يمثل روسيا ، و الصين ، و الهند ، و كوريا الشمالية ، و بلاد العرب ، و أفريقيا ، و غيرهم ، و التصدي لمؤامرة الغرب الأمريكي الذي يمثل " 51" دولة غربية و شمال غربية ، غررت بهم أمريكا ، وهم المتحججون بسيادة أوكرانيا لعام 1991 ، وهو الغرب نفسه الذي ساهم بتشجيع "كييف" على تدمير الحوار المباشر مع موسكو و عبر إتفاقية " مينسك " ، و على تحريك الثورات البرتقالية منذ عام 2007 و إنقلاب "كييف" عام 2014 ، بهدف التخلص من الحضور الروسي في الأراضي الأوكرانية المجاورة ، و لتقريب حلف " الناتو" المعادي لروسيا و للتطاول على إقليم "الدونباس" ، و لديمومة الحرب الباردة وسباق التسلح ، و للتحرش بالدولة الروسية ، و لتوجيه عقوبات إقتصادية ضدها ، ولشن حرب نفسية عليها أيضا، و المعروف أيضا هو بأن الإتحاد السوفيتي منح أوكرانيا استقلالها شريطة البقاء في الصف السوفيتي السابق الشرقي مع عدم ممانعة إقامة علاقات تجارية مع الغرب .
لقد إرتفع صوت الغناء الشعبي الوطني في مدينة "روسوش" وقاد تنظيم أعماله المغني و العازف المشهور " فيكتور ستريخ" و مساعدوه ، فصدحت أغنية " أنا روسي " ، "وهل يريدون الروس الحرب" ، " ونحن الروس .. الله معنا "، و حضور جماهيري كبير عكس حيوية المدينة ، و أعطى صورة مشرقة عن حب الروس لوطنهم و ثقتهم بالنصر القادم الكبير ، وفي المقابل لازال شارع " بيت الثقافة " في جناحها القديم إن صح التعبير محتاج لترميم و إعادة بناء لينسجم و طموحات شباب و شابات المدينة ، و لازالت المدينة تخلو من دار للسينما ، ومن مراكز خاصة لتنظيف و كي الملابس " دراي كلين " ، و رجال الأعمال فيها يعزون ذلك للسلوك التربوي للسكان الذي إعتاد على كل ما هو تقليدي منزلي قديم، و يبلغ عدد سكان مدينة روسوش حوالي 66 الفا ، وتحيط بها شبكة من القرى التي تزيد تعداد السكان إلى أكثر من مائة ألف ونصف الألف ، و تتميز " روسوش " بقربها من مدينة فارونيج المتطورة ذات التعداد السكاني الذي يقارب المليون و نصف المليون نسمة .
تطوير مدينة " روسوش " يحتاج لتخطيط جديد جيد متواصل ، و لأموال فدرالية كافية ، فهي تفتقد مثلا لمكتبة عامة ، و لفرص عمل للشباب العاطل عن العمل ، و فرصة الحرب و الدفاع عن الوطن جيدة و محترمة لكنها مؤقتة ، وحجمها على مستوى الوطن الروسي كما اعلن الرئيس بوتين حديثا نحو 300 ألف مقاتل متطوع ، فمن الممكن تطوير أعمال محطة القطارات لتتحول لفرصة عمل في مجال مساعدة المسافرين عبور الجسر هناك ، و لتسهيل حركة القادمين و المغادرين من و إلى المدينة ، و الجناح السياحي الجديد على مدخل المدينة تحت إسم " كيالاف بور - أي القلعة " يحتاج لتطوير سريع ليستفيد الزائر و ساكن المدينة من مرافقه الخدمية التي بدت بسيطة رغم الحداثة ، و نهر ( الدون) محتاج لتنظيف دائم ، و المعروف هو بأن السباحة و الحمام الشمسي و الراحة في فصل الصيف تقليد و حاجة إجتماعية روسية و إنسانية متكررة و ضرورية، و مطاعم حديثة تظهر في المدينة، و المتوفرة منها أسعارها مرتفعة، لذلك فإن نسبة التردد عليها ليست كبيرة ، و لازال دخل المواطن الشهري على مستوى الرواتب و التقاعدات بسيط ، وهو موضوع عام له علاقة بعمل القطاع العام في روسيا كلها ، و القطاع الخاص الروسي هو المزدهر ، وهو المنتج للعمران الجديد و الكبير و للمشاريع المتجددة ، و تحريك الإستثمار و إستقطابه عمل حكومي روسي هام لتستفيد منه المدن المتضررة خدميا مثل " روسوش ".
الجميع هنا في روسيا ينتظرون نهاية الحرب / العملية العسكرية التي سينتصرون فيها بكل تأكيد ، و يعرفون بأنها ليست حربا موجهة ضد أوكرانيا جارة التاريخ ، و لا ضد الأوكران الأخوة ، و إنما ضد التطرف " البنديري " و السلطوي في "كييف" الذي إستهدف بلدهم الناهض و المتطور على كافة المستويات الاقتصادية و العسكرية و التكنولوجية ، و المعتمد على مصادره الطبيعية و علاقاته الاقليمية و الدولية المتوزنة و الدقيقة، و (سلام ضعيف خير من حرب مدمرة ) شعار حقيقي للشعوب الروسية و السوفيتية السابقة ، ولقد أثبتت روسيا بأنها ميزانا عادلا للسلام و التنمية الشاملة ، و لنزع فتيل الحروب و الأزمات الدولية بحكم تمسكها بالقانون الدولي أولا ، و عمليتها العسكرية التي إنطلقت بتاريخ 24 / شباط / 2022 إرتكزت علنا على مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 ، و لم تخترق القانون الدولي ، ولم تستهدف سيادة أوكرانيا، بل أعادت التاريخ إلى سياقه الصحيح ، و كما أن روسيا و المنظومة السوفيتية فككوا حلفهم "وارسو" و التزموا بحدودهم، الأصل أن يلتزم حلف "الناتو" بحدوده ، و الخط الساخن هو الحكم والفيصل ، والمانع من حدوث حرب عالمية كارثية ثالثة جديدة لا سمح الله .