توزير النواب: الأبعاد الدستورية والسياسية
د.محمد عاطف عضيبات
17-09-2023 08:56 PM
خلال الأيام الماضية، تابعت باهتمام الحوار الوطني المتميز حول مدى دستورية توزير بعض أعضاء مجلس النواب الحالي. الحقيقة أنني وإذ كنت متخصصاً أصلاً بالقانون التجاري إلا أنني كنت وما زلت شغوفا بالقانون الدستوري ويجذبني الحوار فيه والجدل بقضاياها، وبالتالي أرغب أن أدلو دلوي فيه. لهذا فإنه وبخصوص هذا الحوار الوطني فإنني أرى أنه ومن حيث المبدأ فإن الدستور الأردني بعد تعديلات عام 2022 لا يمنع توزير النائب بعد أن يكون قد قدم إستقالته من مجلس النواب، هذه الإستقالة التي تعتبر نافذة بمجرد تسجيلها لدى الأمانة العامة لمجلس النواب. لكن حتى وإن كانت هذه العملية (توزيرالنواب) جائزة دستورياً إلا إنها، تتعارض من وجهة نظري مع السياق العام لمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وتتعارض بالتالي مع سياق وروح التعديلات الدستورية التي أدخلت على دستور عام 2022 بناءاً على هذه المخرجات ولا تتماشى بالمحصلة مع التوجهات الإصلاحية التي يقودها جلالة الملك. ووجهة نظري هذه تستند إلى ما يلي:
أولاً: لقد شَكلت مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية المرجعية لإجراء بعض التعديلات الدستورية وبعض التعديلات على قانونيّ الانتخاب والأحزاب. وهذه التعديلات ترمي في المحصلة إلى الوصول وبصورة تدريجيه إلى حكومات برلمانية. وفي سياق هذه التعديلات خاصة تلك المتعلقة بتخصيص 41 مقعدا من مقاعد مجلس النواب القادم للأحزاب بحيث يتزايد هذا العدد من المقاعد بصورة مطردة في انتخابات عام 2028 وعام 2032. ولذلك فإنه ووفقاً لهذه التعديلات، يمكن للحزب الحاصل على أغلبية مقاعد مجلس النواب لوحده أو بالتحالف مع غيره من الاحزاب أن يطلب من بعض نوابه الإستقالة من مجلس النواب تمهيدا لدخولهم في الحكومة التي يمكن أن تضم من بين أعضائها عددا من النواب. هنا الحزب أو تحالف الأحزاب هو بالأساس من يقرر بالتنسيق مع رئيس الحكومة المكلف من يستقيل من نوابه تمهيداً لدخولهم الحكومة. لكن أن يقوم رئيس الوزراء في هذه الفترة وكما كان مطروحا بتوزير بعض النواب الذين لم يتم إنتخابهم على أساس حزبي وبدون مرجعيه حزبية فإن ذلك يتعارض مع سياق وروح مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وسياق وروح التعديلات الدستورية الاخيرة ولا يتوافق مع جوهر التوجه نحو الإصلاح السياسي الفعلي.
ثانيأً: إن قيام رئيس الوزراء في هذه المرحلة وقبل شهور من إنتهاء المدة الدستوريه لمجلس النواب بتوزير بعض النواب الذين لم يأتوا بالأصل على أساس حزبي وبدون وجود أي مرجعية حزبيه لهم من شأنه أن يربك المشهد السياسي ويدفع بعدد من النواب غير الحزبيّن لمسايرة الحكومة والتخلي عن جزء من مسؤولياتهم الرقابيه والتشريعيه على أمل قيام رئيس الحكومة بضمهم لحكومته. لهذا فإن فكرة توزير بعض النواب الحاليين الذين بقي اشهر على مدة نيابتهم الدستورية يطرح الكثير من الاسئلة، ويمكن أن يفتح الباب مستقبلا ويؤثر على إستقلالية العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ثالثاً: أرى أن المرحلة المناسبة والتي تتفق مع سياق وروح مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وتتماشى مع السياق الكلي للتعديلات الدستورية وروحها ومع التوجه الملكي للإصلاح السياسي الفعلي هي مرحلة مابعد انتخابات عام 2024 والتي حسم جلالة الملك المعظم أمر اجرائها . ففي هذه المرحله أي بعد إنتخابات 2024 سيكون 41 نائباً تم إنتخابهم على اساس القائمة الحزبيه. وبالتالي فإن أمر توزير بعضهم سوف تتم من خلال المشاورات بين أحزابهم من جهه وبين رئيس الحكومة المكلف من جهه اخرى. وهنا -وهنا فقط- تكون عملية توزير النواب في مجالس النواب القادمة تتفق مع سياق وروح مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ومع سياق وروح التعديلات الدستورية المنبثقة عنها ومع التوجه الملكي إلى الإصلاح السياسي الفعلي. هنا أرى أنه من الواجب على دوائر صنع القرار في الدولة الاردنية الإستفادة من هذا الحوار الوطني الدائر حول قضية توزير النواب وربطها بروح للتعديلات الدستورية والسياق الزمني الذي إنبثقت من خلاله لتكريس مبدأ التوجه نحو تشكيل حكومات برلمانية.
*أستاذ القانون التجاري المساعد /كلية الحقوق- جامعة عمان الأهلية