التشريع .. رواية لا يقومها تفسير
المحامي محمود كريشان
17-09-2023 03:58 PM
توفقت الإنسانية، وارتضت الى ذلك، استخدام كلمات وأسماء تشكل بإضافة نوع من النغم؛ لغات للتواصل فيما بين شعوبها، وبعد قليل، شكلت هذه الأسماء والكلمات صورة التعبير الأجلى عن إرادة البشرية.
ولما كان وجوب القول وضوحه، بيانا لمراد المتحدث، فقد انضبطت معظم اللغات، والأسماء، بقواعد تحدد مبنى الكلام ومعناه، وكان من دواعي الغبطة الانتساب للغة عربية لا تدع مجالا لشاك بمعنى لقائل سليم اللسان نقي الباطن.
إن القوانين بمعناها العام، ما هي إلا وسيلة مختارة لغاية ضبط نواحي الحياة بما يحوز المشرع من اتقان وما تملك الدولة من سلطان، وأهم ما تتضمنه هذه القوانين منظومة للحقوق وما يقابلها من التزامات.
وقد أجاد الشارع في قانونه المدني إذ بين مصادر إنشاء الإلتزام في مذهبنا القانوني الأردني، وقد فرد لكل من هذه المصادر أبوابا ليعبر صراحة عن اختلاف وتمايز هذه المصادر بعضها عن بعض.
وقد بين الشارع ذاته في مقدمة قانونه قاعدة حصرية لتفسير القانون مصدرا للإلتزام، وهي القاعدة الأكثر دورانا في حديث أهل القانون: أن لا اجتهاد مقبولا في حضرة النص.
وقد برع الشارع ذاته في تقديم تحفة قانونية خالدة جلاء لتفسير نية أهل التعاقد في عقودهم، وضرب عددا من الأحكام ضمن باب تفسير العقود لبيان ما خفي من افصاح المتعاقدين وظهارا لدقيق إرادتهم.
ولا يعلم علم الشارع المدني أحد إذ فرق بين القانون كمصدر للإلتزام وبين العقد ذي سلطان الإرادة كمصدر آخر للإلتزام، ولا يخبر خبر القانون ذاته أحد إذ اورد أدوات تفسير خاصة بكل من هذين المصدرين.
إن أصول الصياغة التشريعية وتقاليدها العريقة للمشرع الأردني الثابت لا الطارئ في الإقليم، في مقابلة صياغة واضحة ومبسطة، تخاطب عموم المكلفين بما لا يشكل عليهم لغايات الفهم، لتعتبر: أعني هذه الصياغة المبسطة، من أساسيات منظومة المساعدة القانونية ما يجعل هذه الأصول للصياغة لا مقدسة بمذهب، وإنما خادمة للنص القانوني لتوضيح أحكامه بيسر وسهولة للجميع.
إن التبسط بصياغة النصوص القانونية تجعل المكلفين يفهمون الأحكام القانونية بشكل سلس دون استشارة مختصين، ما يثير بأنفسهم عجبا ورضى بهذه النصوص، ويحملهم للإطمئنان إليها، والتيقن بالمنظومة التشريعية القائمة، والإلتزام الطوعي بها على المدى المتوسط والبعيد.
في مكان ما،
دعوة للتامل بما يركن إليه على وجه اليقين لبيان ما دق أو خفي من إرادة المشرع في القوانين الأردنية، ومنظومة التفسير والتأويل الخاصة بهذه القوانين، ومقاربة هذه المنظومة بإيجاد شروحات فعلية من عمل المشرع ذاته يلحقها بكل مسودة قانون أو نظام لبيان جوهر إرادته المتمثلة قانون ملزما، عنوان ذلك كله البساطة في صياغة أحكام قانونية تخاطب المكلف،، أي مكلف.