ثورات وانتفاضات الشعوب العربية * د.محمد المناصير
د. محمد المناصير
05-02-2011 02:55 AM
شهد تاريخنا العربي الاسلامي بذرة الثورات الشعبية التي قامت في بلادنا العربية ؛ منذ قيام حركة التوابين في العراق وهم مجموعة من العلماء والزهاد خرجوا بدافع التكفير عن ذنوبهم ، وخاضوا معركة انتهت بهزيمتهم على أيدي الأمويين في منطقة عين الوردة سنة 65هـ .
اما الثورة الثانية فهي ثورة عبد الرحمن بن الأشعث في العراق أيضاً ؛ إذ كانت مدن كاملة مؤيدة لابن الأشعث ، وثارت معه جماهير غفيرة ، وكان جيشه يقوده جماعة كبيرة من القراء وحفظة القرآن وأهل الصلاح، حيث تمكنوا من الانتصار على الحجاج بن يوسف الثقفي في بعض المعارك لكن الحجاج تمكن من الانتصارعليهم في المعركة الحاسمة في دير الجماجم سنة 81هـ.
كما قامت ثورات شعبية مؤيدة للاحنف بن قيس الذي كان يغضب لغضبه مائة ألف ولا يسألونه لم غضب؟! .
بعد هاتين الحادثتين رأى بعض علماء المسلمين ومنهم الحسن البصري عدم الخروج على الحكام نظراً للخسائر الفادحة التي حلت بعوام الناس، فتلقف الحكام هذه الفتوى وتبنوها وصارت لازمة لكل فقيه أن يؤكد على هذه قضية عدم الخروج على الحكام وعدم إثارة الفتن ، حيث ظهر بذلك مذهب الإرجاء الذي كان في بدايته فقهياً محضاً إلى أن تبنته السلطة الحاكمة لتحقيق مآربها في استعباد الجماهير، وانتشر هذا المذهب التخديري عبر العصور حتى صار السمة البارزة لجميع الحكومات التي تحكم الشعوب العربية والإسلامية تلك الحكومات التي هي أصلاً لا تطبق الشريعة الإسلامية .
وفي العصر الحديث قامت ثورات منها ثورة تونس وهروب الرئيس التونسي فيما يعد اول ثورة عربية منذ 60 عاما، اليوم 14 يناير 2011 هو يوم تاريخي في العالم العربي وتونس .
اشعل شرارة الثورة التونسية دون ان يدري شاب تونسي يدعى محمد بوعزيزي الذي اشعل النار في نفسه بعد ان صادرت بلدية مدينة سيدي بوعزيزي عربة الخضار الامر الذي جعله يقدم على الانتحار عن طريق اشعال النار ي نفسه، الا انه تم نقل الشاب الى المستشفى، ولكنه توفي لاحقا بسبب نسبة حروقه العالية.
وقد اندلعت في البلاد عدد من المظاهرات قادها عدد من العاطلين عن العمل
وقد تعاملت الشرطة التونسية مع المظاهرات بعنف والمظاهرات تولد قتلى ومصابين ومعتقلين ،وقامت تونس بغلاق شبكات المحمول في تونس وخدمة الرسائل الخاصة نظرا لاستخدامها من قبل المتظاهرين وفي يوم 13 يناير اقال زين الدين بن علي وزير الداخلية، ونزل الجيش الى شوارع تونس بعد انفلات الوضع .
وفي يوم 14 يناير، اندلعت مظاهرات واسعة النطاق جميع انحاء البلاد وتطويق مبنى وزارة الداخلية، فاعلن الرئيس التونسي اقالة الحكومة ويناشد سرعة عقد انتخابات، ثم هرب الرئيس التونسي زين الدين بن علي ، وتولي الوزير الاول محمد العنوشي حكم البلاد .
وفي مصر تعتبر ثورة 1919 الأنموذج الأقرب إلى مفهوم الثورة بالمعنى الإصطلاحي انطلقت شرارتها من جامعة القاهرة في 8 مارس/آذار 1919 قادها سعد زغلول ضد الانجليز وانتقلت إلى الأزهر, ثم انتشرت لتعم كل أرجاء مصر خلال يومين.
وقد ذكر أنتوني ناتانج في كتابه " ناصر" أن محمد نجيب المؤيد من الشعب سواء في مصر والسودان لم ينجح ، وجمال عبد الناصر المؤيد من الجيش نجح، واستطاع عبد الناصر أن يتنصر على الاخوان المسلمين رغم شعبيتهم الجارفة .
لم يكد الشعب المصري يستيقظ من صدمة الهزيمة التي ألقتها إسرائيل بجيوش ثلاث دول عربية هي الأردن وسوريا ومصر واحتلالها للضفة الغربية وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء خلال حرب يونيو/حزيران 1967, قرر الرئيس جمال عبدالناصر يوم 9 يونيو/حزيران التنحي عن منصب الرئاسة بسبب الهزيمة.
وبعيد انتهاء عبدالناصر من إلقاء خطاب التنحي خرج مئات ألوف المصريين إلى الشوارع في مظاهرات استمرت يومين مطالبين ناصر بالعودة عن قراره.
وفي فبراير 1968 اندلعت مظاهرات عمال حلوان احتجاجاً على الأحكام الصادرة ضد قادة سلاح الطيران المتهمين بالإهمال والمسؤولية عن هزيمة حزيران 1967 . تلك المظاهرات كانت بمثابة شرارة أشعلت فتيل تحركات عمالية وطلابية عارمة وعجزت قوات الأمن وتشكيلاتها عن مواجهتها ، إثر ذلك صدر القرار الوزاري رقم 1010 لسنة 1969 الذي أنشأ جهاز الأمن المركزي، وخصه بمواجهة الاضطرابات وأعمال الشغب التي تعجز قوات الأمن العادية عن مواجهتها، وتضاعفت أعداد جنود الأمن المركزي حتى بلغت نصف مليون، بل انتقل تسليح الجهاز أيضاً من العصي والقنابل المسيلة للدموع والبنادق إلى المدافع الرشاشة والسيارات المدرعة وبعض الأسلحة الكيماوية، حتى اصبح يشبه إلى حد كبير الجيش النظامي.
وشهدت مصر في يومي 18 و19 يناير/ كانون الثاني 1977 انتفاضة شعبية على نظام الرئيس أنور السادات عرفت بثورة الخبز في جميع المدن الرئيسية تقريبا من الإسكندرية إلى أسوان مرورا بالقاهرة بسبب مضاعفة أسعار مواد غذائية أساسية بينها الخبز. اشعل سعيرها الشيوعيون وبعض القوى اليسارية ، وكانت تظاهرات عارمة ومنظمة وقوية ، ولم تفلح وزارة الداخلية في إخمادها، وقد استخدم المتظاهرون طريقة حرب الشوارع والمدن من حرق اطارات السيارات ووضع متاريس في الشوارع وكادت القاهرة أن تسقط نهائياً في أيديهم غير أن الجيش دخل وقمع التظاهرات بوحشية وهدأ الأمر واستتب الأمن للحاكم الذي كان قد فر بطائرته إلى أسوان. وفرض حظر التجول ونزل الجيش إلى المدن للسيطرة على المظاهرات وأعمال التخريب التي استهدفت المباني الحكومية والمحلات التجارية واعتقل الآلاف من المتظاهرين من العمال والطلبة. ورغم اضطرار الحكومة للتراجع عن قرار رفع الأسعار, واصل السادات وصف الانتفاضة في خطبه بـ"انتفاضة الحرامية" بسبب أعمال سلب استهدفت المجمعات الاستهلاكية خلال الأحداث.
وشهدت مصر ايضا انتفاضة الأمن المركزي في25 شباط/فبراير 1986 امتدت إلى ستة معسكرات مختلفة من الجمهورية (القاهرة، والجيزة، والقليوبية، وسوهاج، وأسيوط، والإسماعيلية). حيث اعلنوا تمردهم على وزارة الداخلية في مصر ، وكادت أركان الدولة أن تقوض ، وكانت طائرة الرئيس مبارك على أهبة الإستعداد للطيران من قصر العروبة إلى دولة عربية قيل انها المملكة المغربية او الولايات المتحدة الاميركية ، ونزل الجيش ولم تستثمر هذه الفوضى أية حركة إسلامية أو قومية أو وطنية معارضة للنظام ، ولم تستطع أية حركة أن تجيش الجماهير لإسقاط النظام، وبعد هذه الحادثة استفاد النظام المصري من تجربته وأحكم قبضته على البلد بديمومة قانون الطوارئ الأبدي والمحاكم العسكرية وقوانين الإرهاب وخصخصة قطاعات الدولة ، وقد كانت حصيلة انتفاضة الأمن المركزي أكثر من 107 قتيلاً معظمهم من الجنود 104 في القاهرة و3 في أسيوط و719 جريحاً.
وقد بدأت الشعوب العربية من المحيط وإلى الخليج تعلن الثورة على الحكام او الحكومات ؛ في تونس وفي الجزائر وفي المغرب وفي مصر إختنقت الحناجر من الصراخ : كفاية، كفاية، وفي كل دولة عربية ثورة، وجمر تحت الرماد تسبب فيها الحاكم بأمر التحالف الأمريكوصهيوني .
وفي نيسان/ ابريل 2008 شهدت مصر اضرابا يوم 6 ابريل احتجاجا على رفع الاسعار بنسبة تتراوح ما بين 200 % و 300 % ابرزها اختفاء رغيف الخبز تماما وصعوبة الحصول عليه ، استمرت المظاهرات ليوميين متتاليين فى المحلة الكبرى حيث تمكنت قوات وزير الداخلية حبيب العادلى من احتواء الموقف بعد سقوط عدد بسيط من القتلى .
وفي عام 2011 قام مجموعة من الشباب المصري عبر الموقع الالكتروني الاجتماعي الاول " فيس بوك " و "تويتر مصر" عبر صفحة الشهيد خالد سعيد " كلنا خالد سعيد " والتي تضم اكثر من 376 ألف مشارك مصري , وشاركت جموع غفيرة بالثورة الشعبية ضد حكم الرئيس محمد حسني مبارك وشهد يوم الثلاثاء في 25 يناير لعام 2011م بعد ما حققته الثورة الشعبية التونسية من انجازات على ارض الواقع من إزالة حكم زين العابدين بن علي الذي طال لمدة تزيد عن 23 عاما.
وشهدت مصر أربع محاولات انتحار على طريقة التونسي "محمد بوعزيزي" شهدتها مصر في أقل من 48 ساعة ، البداية كانت من نصيب رجل من القنطرة غرب، استأجر مطعماً ليكسب قوت يومه هو وأولاده، فإذا به يواجه كماً لا ينتهي من عقبات وعراقيل الروتين، ولا يجد أمامه من حل سوى أن "يشعل النار في نفسه". أما محمد فاروق، وهو محام يبلغ من العمر 50 عاماً، فأشعل النار في نفسه أمام مجلس الشعب بعد أن تقاعست الشرطة عن التوصل لمكان ابنته المختفية منذ نحو ثلاثة أشهر، وهو نفس ما قام به مواطن آخر في الإسكندرية يدعى أحمد هاشم السيد ويبلغ من العمر 25 عاماً، حيث أشعل النيران في نفسه بسبب فشله في الحصول على فرصة عمل.كما قام آخر بمحاولة حرق نفسه بعد تحويله للتحقيق دون وجه حق.
قد انتشرت رسائل تهاني المصريين للشعب التونسي بكثافة على شبكات الإنترنت وموقع الفيسبوك وتويتر مصر في إشارة إلى الدور الكبير الذي لعبته شبكة الإنترنت في تحفيز وتنظيم الحركات السياسية. حتى أن كثيراً من المصريين استبدلوا ملفاتهم الشخصية على الإنترنت بصور الأعلام التونسية الحمراء. وهو ما يعكس أن ما حدث في تونس يمكن أن يكون بمثابة جرس إنذار بأن الناس ضاقوا ذرعا وأنهم يحتاجون إلى الحريات السياسية والإصلاحات الاقتصادية، وانه يجب أن يكون هناك حد للفساد والمحسوبية". لكن يبقى أن لكل دولة طبائعها، ولكل شعب سماته التي تميزه عن غيره، وهو ما يعني أن رحيل بن علي عن السلطة لا يعني بالضرورة أن يكون هناك آخرون في طريقهم للرحيل عنها في الفترة المقبلة.
ثم جاءت الدعوة التي أطلقتها حركة "شباب 6 إبريل" من أجل التظاهر أمام وزارة الداخلية يوم 25 يناير عام 2011، وهي الدعوة التي يرى الدكتور يحيى القزاز، القيادي السياسي البارز، أنها "البداية الصحيحة لإسقاط النظام فى مصر" مشيراً إلى أن "وزارة الداخلية في مصر هي حامية النظام ، وقامعة المظاهرات، وحامية اللصوص، وقاتلة المواطنين بالتعذيب فى المعتقلات والسجون".
ويذكر ان يوم 25 يناير هو يوم تاريخى لأنة اليوم الذى قررت فيه الحكومة المصرية إلغاء المعاهدة التى أبرمتها مع بريطانيا عام 1936.
وقد ادت الثورة الشعبية التي لا تزال تستعر الان لحظة انتهاء كتابة هذه المقالة في يوم الجمعة 4 شباط فبراير 2011 الى تغييرات مهمة في هرم السلطة لم ترض الثوار منها اعلان الرئيس محمد حسني مبارك عن عدم نيته ترشيح نفسه او ابنه للانتخابات الرئاسية القادمة ، وتعيين نائب للرئيس لاول مرة منذ ان استلم السلطة في البلاد واسقاط الحكومة وتعيين حكومة جديدة . كل ذلك لم يوقف العاصفة الشعبية والبركان الشعبي الثائر مطالبين برحيل الرئيس واركان النظام .... وتستمر الثورة الشعبية في مصر، كمثال بدأ في تونس ثم امتد الى مصر وطال اليمن والجزائر والاردن حيث تم اسقاط حكومة سمير الرفاعي التي فازت بثقة البرلمان باغلبية (111) صوتا ، وكلف معروف البخيت بتشكيل حكومة اصلاح جديدة .....