الأردن يراهن على عدد من المجالات للاستثمار فيها خاصة مجال الطاقة المتجددة والبديلة والطاقة والخضراء والاقتصاد الدائري وتحلية مياه البحر، والصناعات بمختلف أنواعها خصوصا الصناعات التكنولوجية عالية الدقة والسيارات الكهربائية والبطاريات، والهيدروجين والامونيا الخضراء، والمحللات الكهربائية، والتعدين والأسمدة، بالإضافة للتوسع في صناعات النسيج والأدوية، وتعد هذه الصناعات إستراتيجية للاقتصاد الوطني، حيث تسهم في النمو الاقتصادي الوطني بزيادة الصادرات، وتوفير فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمار الأجنبي، كذلك تدعم الابتكار ورفع تنافسية المنتجات الأردنية، مع توطين التكنولوجيا، وفتح آفاق اقتصادية في الصناعات عالية القيمة.

تشهد المنطقة مشاريع استرتيجية كالممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا(IMEC)، الذي تم الإعلان عنه مؤخرا في قمة مجموعة العشرين بالهند، حيث سيشكل هذا الممر فرصة اقتصادية للأردن من خلال زيادة تدفق التجارة والطاقة والبيانات بكفاءة عالية، ويقلل التكاليف، ويعزز الوحدة الاقتصادية، ويخلق فرص عمل، ويقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مما يؤدي إلى تكامل تحويلي لآسيا وأوروبا والشرق الأوسط.

حيث حولت العولمة البلدان التي كانت فقيرة ذات يوم مثل كوريا الجنوبية وتايوان إلى اقتصادات متقدمة ذات تقنية عالية، وانتشلت مئات الملايين من الناس من براثن الفقر، كما انتقلت التطورات التكنولوجية والأفكار الإدارية الجديدة بحرية أكبر بين البلدان، إلى جانب السلع والموارد المالية. لكن العالم يشهد سباق شرس للفوز بصناعات المستقبل، سواء لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو التنافس الجيوسياسي أو مخاوف سلسلة التوريد، مما يفتح المجال للاقتصادات النامية لمواكبة هذا التحول والوصول إلى الأسواق العالمية لبيع منتجاتها.

وتحصل الولايات المتحدة، التي تقدم 369 مليار دولار من الحوافز والتمويل للطاقة النظيفة كجزء من قانون خفض التضخم على مكاسب غير متوقعة من الاستثمار الأجنبي. ويحاول الاتحاد الأوروبي الاستجابة بحزمة دعم الطاقة الخضراء الخاصة به، فيما أعلنت اليابان عن خطط لاقتراض 150 مليار دولار لتمويل موجة من الاستثمارات في التكنولوجيا الخضراء.

وكالة الطاقة الدولية في تقريرها السنوي، بينت أن الاستثمار في الطاقة النظيفة تجاوز الاستثمار في استخراج الوقود الأحفوري، حيث بلغت الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة نحو 380 مليار دولار، أي أكثر من مليار دولار يوميا، ستذهب هذا العام إلى الطاقة المتجددة وخصوصا الخلايا الكهروضوئية، وتوقعت الوكالة أن تتجاوز قيمة السوق العالمي لتكنولوجيا الطاقة النظيفة الرئيسية والمصنعة 650 مليار دولار سنوياً بحلول 2030.

إن التركيز على التعاون وصادرات التكنولوجيا مدفوع بعوامل مختلفة، حيث تعمل القدرة التنافسية المتزايدة لصناعة أنظمة الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في الأردن والرغبة في التوسع في أسواق أكبر على تحفيز شركات الطاقة الأردنية للتوسع عبر سلسلة القيمة بأكملها. وبالتالي، إن تطوير نظام بيئي شامل في الصناعات الخضراء، يغطي جوانب مثل بطاريات الطاقة، وأنظمة التحكم، وأنظمة التشغيل، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية للشحن، سيعزز جاذبية الأردن للصناعات الإستراتيجية.

بحسب تقرير مؤسسة بلومبرغ البحثية، تحتل المملكة المرتبة الأولى باستثمارات الطاقة المتجددة، ضمن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمرتبة الثالثة عالميا بعد كل من الصين والبرازيل، من بين 71 دولة من مختلف أنحاء العالم، مما شجع على تعزيز القطاع الصناعي على زيادة حجم الاستثمار وتطبيقات الريادة والابتكار في مجالات الطاقة المتجددة، وترسم هذه الريادة مساراً ناجعاً لإزالة الكربون من جميع استخدامات الطاقة متوافقا مع هدف وقف الاحتباس الحراري العالمي عند 1.5 درجة مئوية، مع الاعتماد على النظم الكهربائية وترشيد استهلاك الطاقة كمحفزات رئيسية، مدعومة بمصادر الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والطاقة الحيوية الحديثة المستدامة.

مع هذه التحولات المتسارعة، أصبح لا غنى عن المعادن الحرجة في عديد من التطبيقات الصناعية المستخدمة في صناعة التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك تلك التي تستخدم في الطاقة الخضراء، بمستويات عالية من مخاطر سلاسل الإمداد للمعادن. وبشكل عام، يمكن تصنيف المعادن التي تُستخدم في صناعة الطاقة الخضراء إلى قسمين: معادن ذات مستويات ندرة غير حرجة كالنحاس والألمنيوم والحديد، ومعادن حرجة ذات مستويات ندرة مرتفعة أو مخاطر مرتفعة ضمن سلاسل إمدادها كاليثيوم، والكادميوم، والجاليوم، والجرمانيوم، والإنديوم، والسيلينيوم، والتيلوريوم، والدسبروسيوم، والنيوديميوم. كذلك تُعد الألواح السيلكونية البلورية الأكثر شيوعاً بنسبة 90 % في إنتاج الألواح الشمسية.

إن المعادن ركن أساسي للأردن، وهي أكثر من مجرد مورد موثوق به للمواد الخام، استنادا إلى الموارد الطبيعية المحلية والثروات الجيولوجية وقطاع الموارد ذات المستوى العالمي، وبالتالي دعم قدرة هذا القطاع من خلال تطوير مشروعات ذات أهمية إستراتيجية، وجذب الاستثمار وبناء الشراكات الدولية، بالإضافة لتطوير نهج متكامل للاقتصاد الدائري للمعادن وخصوصا الحرجة، سيمكن الأردن من الريادة في انتقال الطاقة، والترويج للمملكة بصفتها رائدا عالميا في المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، مع تنمية القوى العاملة الماهرة.

ولنترجم رؤية مستقبل الصناعات الإستراتيجية إلى واقع يتعين علينا تخطي حدود البنية التحتية؛ بل يتعين مراعاة أهداف التنمية الاقتصادية والإنسانية، والاعتبارات البيئية، والأدوات المالية، حيث تختلف هيكليات التمويل في سيناريو التغير المناخي بشكل كبير لناحية مصادر رأس المال العام والخاص، مع ضرورة تخصيص موازنة لتقديم الدعم والحوافز لصناعة الطاقة الناشئة، وكذلك التعدين المستدام، ويمكن لإجراءات واستثمارات السياسة في تحولات الطاقة أن تحدث تحولا هيكليا في الصناعة، حيث يجب النظر إلى قطاع الطاقة بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الشامل.

"الغد"