مسار جبل الأظلاف بوادي رم
عبدالرحيم العرجان
17-09-2023 11:52 AM
جبل تدور حوله الكثير من القصص وحكايات الكواسر والشجاعه، ومحجر للجِمال والإبل بفصل الربيع ويعتبر الدرب تحدي لعشاق المسير والترحال.
كعادتنا نبحث عن كل جديد وفريد للمناطق والمشاهد والحكايا بوادي رم معتمدين على دليلنا عوّاد إبن المكان العارف بأدق تفاصيله وخباياه فكان اختياره لنا جبل جديد اشتق الأهالي إسمه وتوارثوة عبر الأجيال من خلال قصص الذئاب وسطوها على المواشي وما تبقى من عظام فرائسها في أوكارها " الوجار" كما هو بلسان دليلنا وهو الإسم الفصيح لمكمن الذئب أو ما خلّفته ورائها على الطريق وبين الشقوق والصخور، والأظلاف هي جمع ظلف أي حافر الماعز والغنم وغيرها من الماشيه، إذ تقول حكاية التسميه بأنّ الكواسر كانت تسحب فرائسها إلى هناك لتقتات عليها وتطعم صغارها ولكثرة ما كان يوجد من أظلاف لا تستسيغ أكلها السباع سمي بجبل الأظلاف.
بداية المسير..
بعد تسجيلنا وقطع تذاكر دخولنا محمية وادي رم استقبلنا دليلنا بنهاية البلده بجميل الترحاب لنسلم متاعنا لتأمين النقل لنقطة التخيم المتفق عليها وأبقينا على معدات المسير، وما نحتاجه من ماء وبعض الفواكه وما يتطلب لكي يقينا حرارة الطريق الراجل مرورا بأم عشرين لنتجه بنهايتها نحو الجنوب الشرقي بين المغر الأعلى ورقيبة الوداك وصولا لجنوب جبل مكر الظبي وتلعة الأحيوات ومقصم عوض المقابل للطور مقصدنا، واختيارنا موقع المسمى بالنخبور بجانب الوادي وذلك لطبيعة الأرض الصخريه عديمة النباتات لضمان عدم وجود عقارب فيها والمفتوحه لجهة غروب الشمس سحر واد رم ودهشته متمّمين مسير سبعة عشره كيلو مترا أنجزناها بخمس ساعات لسهولة التظاريس واستوائها.
صفحة السماء:
وبعد نصب خيامنا تقاسمنا الأدوار بجمع ما جفّ من حطب الغضا وطهي " المنسف " وهي أكْله أردنيه مدرجه ضمن قائمة التراث العالمي الإنساني بداية العام، وما أطيب أن يُطهى بقدر على نار حطب بيد ذواق ماهر، وتلاه ليلة سمر على شرف طبق من البطيخ من مزارع الديسي القريبه وهو الأطيب بمزارع المملكه قاطبة وكانت ضيافه من دليلنا، ومن المتعارف عليه بقواعد التخيم أن تكون جلسة المتسامرين بعيده عن الخيام حتى لا يعكروا صفو النائمين بصوتهم وكذلك وقت النهوض فلا صوت قبل ذلك فالطبيعه أم الهدوء ومدرسة التأمل والصفاء.
وفي ليل رم لعزلته عن أضواء المدن وترفه الساحر تفتح لك صفحة السماء وذراع المجره ودرب التبانه المكونه عما يزيد عن مائة مليار كوكوب بأشكال حلزونية وإهليجيه وما تطاير فيها من غبار ونفثها لغازات منحها تعدد للألوان وتدرجها ، وقد تلمح فجأة ما يتساقط من شهب تغيب محترقه سريعا ولهذا اختار أن تكون خيمتك من النوع المكشوفة السقف "بانوراما" لتستمتع بكل لحظه حتى تغمض عينيك بعد تعب وعشاء دسم ..، ولرصد النجوم ودراستها تم إنشاء مرصد" بوابة السماء" قرب جبل أم الدامي لخدمة العلم والسياحه وهو الأكبر والأحدث على مستوى المملكه .
تسلق الجبل:
ومع الفجر وقبل أن يشتد الحر حزمنا متاعنا وانطلقنا مع قطر الندى نسابق خيوط الشمس الأولى لصعود الجبل من الجانب الجنوبي الأسهل بدءا من ارتفاع 1240م عبر درب معروف عند الأهالي بأمانه وسهولته والمحاذي لأطراف المحميه التي تضم أجزاء من أطراف الجبل الغربيه فيها، و تحتوي مقاطع وعوائق اجتزناها بسهوله ، أثار تساءلنا للدليل وجود بعض السلاسل الحجريه المتتاليه التي كانت تغلق الطريق وتقطعه كالحواجز ليعلمنا أن صحن الجبل الواسع المحاط بالصخور والتلال مكان آمن لحجر الإبل والجمال بفترة الربيع لكثرة النباتات فيه ،وتبعه استفسار آخر عن مدى وجود الماء للسقايه فأخبرنا أن رطوبة النبات تغنيه عن الشرب، وكثُر بالمكان تفتح عود الري المبشر بموسم شتاء وأمطار الخير والمقرون بظهور نجم سهيل الذي شاهدنا سطوعة بليلتنا ويقول فيه العرب الكثير
( إذا طلع سهيل برد الليل وخاف السيل ونزل على أم الحوار الويل) كما تغنى بمنازله الشعراء واستبشروا بطلوعه كونه الحد الفاصل بين الحر اللاهب والحر المعتدل في الباديه ويبقى ظاهرا 53 يوما رمزا للحب وهاديا للطريق.
وبعد استراحة الإفطار على المطل الأول تابعنا سيرنا بمشاهد متتاليه فوق جلاميد وصخور رمليه يتلئلئ فيها خام الكوارتز ورواسب الحديد من بقايا البحر القديم وإن أمعنت النظر دون بحث سوف تصادفك أحجارا تأخذها كتذكار لجمالها ما بين الأبيض الناصع والأصفر النقي.
أخذنا الدليل لمطل يحبس الأنفاس من جمال الأفق وتسلسل الجبال التي لا تنتهي على مد النظر متخيلين كيف كان ما بينها من ممرات مسالك ودروب لأهل التجاره وقاصدين الحج بين الجزيره العربيه وبلاد الشام وموانئها وأرض سيناء ومصر الكنانه على مختلف العصور وما كان فيه من ممالك سادها أجدادنا العرب الأنباط بقيت عامله لعهد قريب لتصبح اليوم مقصدا للسائحين وعشاق الطبيعه من مختلف بقاع العالم لتجربة حياه الباديه وعذرية الطبيعه وجمالها.
وبعد هذه النشوه والدوران حول قمّته " خشم الجبل" إبتدأ الطريق الصعب والذي يحتاج إلى حذر ويد العون ببعض مقاطعه واستخدام عصي الإرتكاز خشية الإنزلاق لعدم ثبات الحجاره أو خشية تعلق قدمك بين الصخور هبوطا من إرتفاع 1546م كما أشار جهاز الملاحه "جارمن" بفارق 260 م عن القاعده الذي يعول عليه لاتصاله مع الأقمار الصناعيه في حال غياب شبكة الإتصالات وتطبيقاتها، وما أن تنهي نزولك وتصل إلى بر الأمان حتى تتنفس الصعداء من شدة الإنحدار والمختلف كليا عن درب الصعود السهل متمّمين خمسة كلم بمسار دائري بسلام اعتمدنا فيه على حنكة الدليل وتكاتف المجموعه.
رحلة العوده :
وبعد فترة الإستراحه والنظر لقمة الجبل والذي يعتبر تمرينا مهما لرحلتنا القادمه لجبال الهاملايا بغية الوصل لقمة ميرا بك بارتفاع 6472 م وحمل رساله وطنيه وسياحيه إحداها من رم أخذنا جولتنا بسيارات رباعية الدفع مرورا بجسر أم فروت عند قاعده الطود وقمنا بالتقاط صور جماعيه عليه بعد الصعود والمسير بحذر فوق صخرته المرتفعة بما يقارب العشرين مترا ، وتناول الشاي المعطر بالشيح بدعوه من صاحب المخيم المقابل لهذا المشهد الذي يأخذك للتأمل كيف تكون ومن أي عصر، وليس ببعيد عنه جسر آخر مودعين دليلنا الكريم على أمل اللقاء مجددا .