ركائز الجامعة الاولى .. ووهج نسوتها ورجالاتها!
أحمد سلامة
16-09-2023 02:17 PM
الحلقة السابعة
في كل مجتمع جامعي او مدني تتبدى ملامحه من ساكنيه ومن قادته…
كان للجامعة الاردنية سيفها وترسها ومحرك قوتها وباعث نهضتها، كان عبدالسلام المجالي باناقة هيبته، وصرامة قراراته، وملاحقته لتفاصيل التفاصيل يحسسك ويملي عليك الاعتراف انه ليس رئيسا للجامعة وحسب. بل كانت بيته الذي يلاحق كل اسباب مكانته وبهائه..
كانت قراراته عربية، ووحدوية، ووطنية جدا، لكنها مهنية واكاديمية ومؤسسية أكثر ..
كان عبدالعزيز الدوري أول العروبة ومبعث الطمأنينة على تاريخ الامة. وسمرة عبد الوهاب البرلسي وزير صحة عبد الناصر ونائب الرئيس للشؤون العلمية تعكس رد الجميل للمصريين، وكانت مشية كامل العجلوني برشاقة وجدية تدلل على نتائج بحثه القادم،
كان عميد كلية الطب بريطاني لا احد يسعى إلى الاعتراض على قراراته، واضحت رقة عدنان بدران عميد العلوم وابتسامته الساحرة وادارته الفذة عنوان تقدم تلك الكلية النائية عنا في كلية الاداب.
وصار مقدم مروان كمال الطاغي في اناقته والدكتور صبحي القاسم معا للانضمام لطاولة الاستاذ الرئيس غالبا على غداء العمل في مطعم الجامعة عادة يومية تقريبا…
ونسوة الجامعة قصة ساحرة، أول الوهج صار احدى صفات ليلى عرفان الحازمة الملامح المرهوبة الجانب وهي مديرة مكتب كل الرؤساء حتى اسحق الفرحان لم يفكر باقصائها
كانت على نحو يومي إما ان تكون ظل الاستاذ الرئيس اثناء نزوله الى مشوار تفقد الجامعة قبل الغداء، وإما ان تسبقه إلى المطعم إن كان هناك ضيفا بوزن (جيمي كارتر) رئيس امريكا السابق
وتندهش الجامعة وهو يقف مع ليلى عرفان على باب المطعم يتحدثان بمودة الاصدقاء…
وكريمة اقضى القضاة عبدالله غوشة رحمه الله الدكتورة (عصمت) كانت تتفنن في تلاوة محنة البرامكة على طلابها وسبر اسبابها الغامضة، الاستاذة ريما النجار كانت تدرس المسرحية في الادب الانجليزي صبية يافعة مندفعة لكل جديد!!
وكانت الدكتورة مها توتنجي وهالة الخيمي، باحثات علم لهما رونق الباحثات وجهاد علاء الدين كانت اول الجمال واول الوقار في ادارة منازل الجامعة…
من قال في الكتابة إن الألوان مبعثها المناظر والامكنة فقط؟! إن للرجال الوانا يضيفونها على اللوحة المكانية وتكون الوانهم اكثر اثرا، ان المدينة المنورة ظلت قرية بلا معنى سوى خصومة بين الاوس والخزرج، واضحت بحضور النبي البهي (المدينة المنورة)..
كذلك ظلت عمّان بلدة بزرع من غير دور لكن مقدم الخالد الذي صنعها وضمها لصدره وقرر ان مقره وسنامها (رغدان) اضحت بذلك سيدة المدن….
لهذه الاسباب احب ان ادلف الى الجامعة عبر صور نسوتها ورجالاتها..
كان (عطا) مدير مطعم الجامعة بهدوء طبعه يوحي ان كل شيء على ما يرام ويتفقد كل شيء قبل وجبة الغداء ومرات العشاء يكون حاضرا!!
عادل الحجيري وخالد ابو خلف من معالم بنك القاهرة عمان (البنك الوحيد) الذي كان له فرع في الجامعة كانا متعاونين ومحبين دون التفريط بحقوق البنك المعهودة.
وفي مبنى عمادة شؤون الطلبة كان الدكتور عبد الرحمن عدس بتكوينه الجسدي الضخم اول مهابة العمادة وفي الركن القصي من الطابق الاول تربع اكثر رجالات الجامعة الاردنية ادبا وخلقا وطيبة وكذلك من المدراء الذين يهبون للاناقة معنى وسموا، كان الاستاذ غازي المفتي المسجل العام المزمن، ومن حوله رجاله الاشداء مسجلي الكليات، قد تصدوا لمهمة تطبيق النظام الجديد (السر والعجيب نظام الساعات المعتمدة)
كان مؤيد الزاغة وعبد الحميد الصباغ ووليد عبد الهادي، وعبد القادر حطاب زعيم كلية الاداب.. والعصبي المزاج والحاد في تطبيق النظام الا انه ارق من النسمة حين يسعى لايجاد مخرج لمشكلة خريج!!
كانت دائرة التسجيل إحدى دوائر الفعل المجيد في الجامعة، ولا يغيب عن بال المتابع حيوية ونشاط عصمت الكردي الذي اسند اليه احياء الرياضة بكل نشاطاتها في الجامعة.. كما ادى الدكتور محمد خير مامسر في قضايا الخدمات الطلابية دورا لا ينسى…
بالدخول إلى عالم الكليات الانسانية ترى وقارا في مشية الاستاذ الدكتور عبدالكريم خليفة رحمه الله الذي كان رئيسا للجامعة وعاد رئيسا لقسم اللغة العربية ليعلم طلبته (المحنة الاندلسية، نشوءا وارتقاء واندحارا، وكان لا يتمكن احيانا من السيطرة على دموعه وهو يتلو قصيدة الوداع للاندلس…
كان الاستاذان الياغيان (هاشم وعبد الرحمن) ضجة القسم وروحه اليسارية في الادب العربي (تسمع شعراء المقاومة، درويش وزياد والقاسم) ثم تدلف الى عالم نجيب محفوظ في اللص والكلاب
إن الادب العربي سيظل يحفظ طلة ذلك الطود (محمود ابراهيم رحمه الله) الذي علم الاجيال موضوع (ادب الحروب الصليبية)…
قبل وفاة المرحوم عدنان ابو عودة بسنتين تقريبا، كنا في معيته بدعوة عشاء في منزل الكاتبة (الصديقة الغالية الدكتورة زليخة ابو ريشة في ابو نصير)، وبيننا هو رحمه الله يشرح عن الوضع الثقافي المهترئ في عالمنا العربي
قال معالي ابو السعيد "نفسي اشوف جامعة تدرس مادة الحروب الصليبية في جامعاتنا"
استأذنته القول معالي ابو السعيد انا تتلمذت على يدي عبقري لغوي شارك في تعريب المناهج في الجزائر الشقيقة هو الاستاذ الدكتور محمود ابراهيم بتدريسنا مادة ادب حروب صليبية، في الجامعة الام عام ١٩٧٣..
واندهش ابو السعيد فرحا!!
كان حسين عطوان ذلك الاسمر الانيق، الذي علم الاجيال كلها علوما لم يلتفت اليها احد من قبل (ولاية العهد في تاريخ الادب العربي، الماء والانهر في اشعار العرب كقيمة مخفية، تاريخ الادب الجاهلي بكل غموضه) كان لذلك الاستاذ الرزين طريقته في الشرح اذ يجلس الى كرسيه، لا يسمح لاحد ان ينبس ببنت شفة حين يباشر درسه… ولا يستخدم السبورة قط، ولأناقته في الملبس حضور بهي..
كان نصرت عبد الرحمن بأناقة طلته وهدوء طبعه صورة من جمال في الادب العربي..
من يستطيع ان يؤرخ للغة العربية ولا يدلف الى محراب نهاد الموسى، ابو النحو والصرف وسيد ضبط الايقاع، كان أحد الطلبة مبصرا للحياة بقلبه وعقله وفقد ابصار العين هو (محمد يونس)
في أول مرة سمعت الطالب يناقش استاذه ظننت انهما يتحدثان لغة اخرى لشدة التركيب والارتفاع بمستوى الحوار بينهما.. كانا يتحدثان في الميزان الصرفي
كان (محمد يونس) صورة أردنية على قدنا لـ طه حسين… ولم اسمع عنه شيئا منذ ان برح الجامعة..
ظلت اقسام التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع منارات هداية وتحديث في الجامعة الاردنية.. كان اول الوعي وروح بث التحدي في الطلبة ليكونوا عربا اردنيين اصحاب رسالة هو العالم عدنان البخيت، الذي اخذ عن برنارد لويس علمه واستعلى على ميوله السياسية، وسيبقى عدنان البخيت في تاريخ الاردن الحديث معلما وصورة يصعب تكرارهما في الذي خلده من اثر (مؤتمر بحوث بلاد الشام) واصدار الوثائق الهاشمية التي اخرجها من سراديب النسيان…
وظل عبد الكريم غرايبة شيخ التأريخ في الجامعة والحافظ لروح الونس التي اشتهر بها بوقار العالم النبيل، وعلي محافظة اول الطيب واول التبسيط في تعليم التاريخ وتقريب الماضي للحاضر القريب… وكان صفوان التل ومحمود ابو طالب وصالح درادكة كل في مجال بحثه
نقطة مضيئة…
بقي التوقف عند الظاهرة الابرز في علوم الفلسفة والاجتماع في الجامعة… ظل الاستاذ الدكتور محمد طلعت عيسى رئيس القسم بعيونه الخضر وبشرته المشرقة استاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون الذي جيء به لينشر العلوم الحديثة وسري ناصر الفائر المدهش المتمرد على كل قديم وابراهيم عثمان استاذ طرق البحث العلمي الحديث
اساتذة التنوير الاولى في كلية الاداب وفي عالم الفكر والفلسفة تطل هضبة من هضاب العلم النافع والفلسفة الاشراقية على يدي
الجميل الفاتن كحبة قمح (فهمي جدعان)
ويقابل فهمي على الطرف الاخر (احمد ماضي) الذي مضى بعيدا في تحديث عقول طلبة الفلسفة وتحريرهم من كل تابوهات الماضي
كان احمد ماضي مستقبليا مدهشا.
لا احد يستطيع ان ينسى وهو يمر على تاريخ الجامعة اربعة عمالقة في كلية التجارة.. كان كامل ابو جابر رحمه الله قد عاد من امريكا بكل حديث فيها كانت امريكا تواجه ذاتها في اعتدائها السافر على شعب محترم في فيتنام ولقد قصقصت اطراف ثوبها رغم كل النابالم التي سكبته على خليج (دانانغ).
واصطحب ابو جابر كل ذلك الصخب من موسيقى الجاز حتى مايكل جاكسون ومن وولتر كرونكايت الى باربرا وولترز، بصورة راقية اصصحبه الى الجامعة..
وكان الثاني… هو فوزي غرايبة الاقتصادي الملهم، والذي كان صورة من صور الانضباط والجدية والبحث العميق، كان فوزي الغرايبة الذي جاء معيدا وبلغ رئاستها وترك لها انبل الخلق واطيب الاثر…
اما الثالث فكان منذر العنبتاوي القاضي الدولي، ورئيس قسم العلوم السياسية، كان فتنة في شكله، وفتنة في حلاوة علمه، وفتنة في اصول عائلته، وفتنة في اخلاقه.. كان منذر عنبتاوي يثير بابتسامته وغليونه وسيارة الـ بي . ام . دبليو غبارا محمودا اينما يكون
واما الرابع فكان محمد الحلاج الذي مثل صورة الريفي الفلسطيني الذي صار امريكيا وبدل ان يتأمرك (ريف / بتشديد الياء)، الامركة…
بقي في صورة الجامعة صورة الشيخ الطالع من عالم الغضب والتحريض يلبس بدلة من الكاكي ويغلق كل ازرار القميص حتى زر الرقبة يغلقه ويمضي مسرعا لا يلوي على شيء في الجامعة
كان عبدالله عزام أول المحنة في تغيير معالم الجامعة الاولى وحين استبد تنظيم الاخوان المسلمين برئاستها اضحى الثنائي (الفرحان /عزام) صورة القادم للجامعة…
لقد ذبحت انجازات عبد السلام المجالي كلها وصار شعار ابعد عن زميلتك مترا اثناء المسير قد اضحى شعار المرحلة!! وتغيرت اسماء المطاعم من الميلك بار الى العباسيين ومن مطعم الخدمة الى صالة الامويين، اضحت الاسلمة عنوان المرحلة وبهتت الجامعة
هل قامت لها قائمة بعد ذلك!؟
هل عادت الى سيرتها الاولى بعد أن أدركت الدولة حجم الدمار الروحي فيها؟! فعاد كل من ناصر الدين الاسد وعبد السلام المجالي ومحمود السمرة وفوزي غرايبة ووليد المعاني روساء لها؟!
وهل بقي ظل الداعية عبدالله عزام يطل من افغانستان على اشجار الجامعة الباسقة فيهزها هزا عنيفا بعد أن تأسس قاعدة لأسلمة التعليم الجامعي!؟
لقد وجد الدكتور عبدالسلام المجالي كتلة اسلامية مكينة حاول تفكيكها ما امكن ولقد تصدى الاستاذ الدكتور فوزي غرايبة للمد الطاغي للاسلمة في عهد رئاسته، لكن رئيس الطلاب (وضاح خنفر) الذي قاد محطة الجزيرة لاحقا كان يمسك بتلابيب العمل الطلابي ولقد بذل ذلك العالم الجليل الغرايبة كل جهده لاحداث توازن ما في الجامعة!!
هل شفيت بعد ذلك الجامعة من ذاك الصراع؟ ام انها ادخلت في عالم جديد في التعيينات بعد ان هيمنت معايير جديدة في رسم صورتها الراهنة لاحقا ؟!
سؤال تاريخي احاول الاجابة عليه بأدب في الحلقة اللاحقة ؟!