زار جلالة الملك عبدالله الثاني مدينة مأدبا، معه سمو الأمير الحسين بن عبدالله و جمعٌ من رجالات يحتاج عملهم ليبقى قويا شامخا.
مدينة مأدبا تلك قِبلة محبّي التاريخ والآثار والفسيفساء تحتاج للكثير، مثلها مثل أيّة محافظة أردنية أخرى، فالموارد قليلة والاحتياج في تصاعد مستمر ، فما كان في الماضي سهل التطبيق أصبح اليوم موضوعا معقّدا مكلفا، ولأنّنا في عصر السرعة والتكنولوجيا وبعيدا عن كون أي مطلب هو في نهاية الأمر حقّ واجب التطبيق ، قد يصبح أي انحراف مادة سهلة للرجم والانتقاد ، فالشارع الذي يطالب الناس بتوسعته وبعيدا عن حق الناس بهذا المطلب الشرعي ، قد يصبح مادة للنقد والرجم عبر الفضاء المفتوح.
في لقاء جلالته الأخير وفي كل الجمعات السابقة هنالك زاوية تحتاج للتفسير ، فما دام جلالته يعنون بالاسم والوقت الاحتياج وتفاصيله ويأمر مسؤولية بالتطبيق ، و على الضفة المقابلة يطالب المواطنين بذات الشيء ، والمسؤول يوعد ويتوعد أي مقصّر ، فأين تضيع الحلقة؟ أهل هي البيروقراطية وأدراجها؟
في حقيقة الأمر تكمن حلقة الوصل الضائعة في شخصنة المطالب ، فمثلا عندما يطلب جمع من الناس تعبيد شارع أو انارة آخر ، ترتبط هذه المهمّة في شخص المسؤول ، في اسم الوزير ، و هنا تبدأ قصة الضياع...
فعندما يرحل الوزير أو النائب أو المسؤول يرحّل معه هموم و مطالب جمعٌ من الناس و أوامر ملكية واجبة التنفيذ ، فما الحلّ إذن؟
الحل بسيط و لا يحتاج لفلسفة ، يكمن في ربط المشاريع خصوصا تلك المعقدة و المؤرّقة باسم وزارة أو مؤسسة بعينها ليوضع لها هيكل زمني مقرون بالكلفة و كل المتطلبات ، فمن غير المنطقي أن يكون مطلب الناس في العقد الماضي هو ذاته اليوم .
هذا الشرخ الحاصل بين الأمر الملكي و الاحتياج الشعبي من جهة و التطبيق من جهة ناتج عن مبدأ الفزعة ، ذلك الذي يتحمّس به المسؤول و يدق به على صدره و كأنّه مطلب شخصيّ منه ، أما الصحيح و الأصح أن تدار هذه الاوامر و المطالب من سلسلة كاملة تحلّل و تقيّم و تصوّب الاوضاع.
لا شك أن للقاء جلالته بنا كمواطنين أكبر أثر في النفوس ، وذكرى جميلة لا بد أن تدوم ما دمنا، فهو بعيدا عن رتابة البروتوكول الملكي انسان بسيط عفوي ، يضحك من قلبه و يرتشف كأس الشاي دونما تكلّف ، لذلك ما يميّز علاقتنا كشعب بقيادتنا هي القُرب رغم بعض المعرقلات احيانا ، فجلالته لا يقبل الانحناء سوى لله ، و لا يقبل على الغير ما لا يقبله على نفسه ، طيّب متواضع عفوي قلّما تفارق الابتسامة وجهه، يسمع كثيرا و يضع الكلمة المناسبة في المكان المناسب .
ما لفتني أيضا بسمو ولي العهد ، هو ذلك القلم الذي لم يبتعد كثيرا عن الورق الذي يحمله ، فكل التفاصيل التي يسمعها من مطالب و أمنيات يدوّنها بتمعّن ، لا يعتمد على مرافق أو موظف بل يكتبها بنفسه ، وبالتأكيد سيراجع ويسأل و يستفسر بين الحين و الآخر عنها .
هذه التفاصيل الملكية من البساطة و عدم التكلّف ، يكفي فقط أن نفتح التلفاز لنرى عكسها ، لا أقول هذا الكلام تشدّقا أو مجاملة ، بل حقيقة لمستها و رأيتها بأمّ عينيّ ، فالبساطة و عدم التكلّف دائما تفوز .
في الحقيقة تحتاج مدينتنا ، مدينة مادبا للعديد من الأمور ، فهي بوصلة لعدة شرائح ، سياحية علاجية دينية مغامراتية أثرية و غيرها الكثير ،فإن طوّرت هذه المدينة بشكل صحيح مدروس تستطيع لوحدها أن تغطّي عجز الخزينة ، لذلك نأمل دائما أن تقلّ المسافة بين الطلب و التنفيذ .
فدائما مرحبا بجلالته بين أهله و ناسه في مدينة مادبا ، و شكرا له على كل التفاصيل الجميلة التي يقدمها ، عسى أن تثمر هذه اللقاءات على كافّة الاصعدة .