عمان اول السيوف .. والجامعة اول الحروف
أحمد سلامة
13-09-2023 05:02 PM
الحلقة السادسة
لست ادري إن كان من الضرورة أن استهل المقالة هذه بالرقم (ثانيا) بعد تناول بلدية عمان على انها الاولى ازعم بانحياز ان الجامعة الاردنية ليست بحاجة الى ترقيم فادخل عليها مباشرة واستأذن القارئ بمنحها فسحة في هذه السردية، قد يمل البعض من اطالتي بها وقد يتمتع اخر، ورغم ملل هذا، ومتعة ذاك إلا انني ساوفي هذا (الموطن / الجامعة الاردنية) كل حقوقه في روحي لانها وهبتني موطئ للقلب في الحياة ومدت لي فرصة انحني لقيمتها الرفيعة عند كل جيلي…
كانما الله سبحانه ان دبر للجامعة الاردنية هذا التميز، وذاك الاشراق فهي اولا باب محراب عمان الغربي ومدخله على الغرب كل الغرب (صويلح، السلط، ونابلس) وهي خضراء ذات غابة من الصنوبر الحلبي الذي خلق الله الغابة تلك سبحانه وتعالى ومن بعد خلق الارض التي تحملها.
وهي في ارض اسماها اهلها منذ الفتح العربي الاسلامي (الجبيهة) بكل معاني الجبهة في قاموسنا الوطني فهي لا تنحني إلا لله جل وعلا، وكذلك هي اسمى ما في الوجه وهي اكتملت محاسن بهائها انها تتجاور مع اجمل اسماء القبائل العربية تخيل ان اسم عائلة مثل (ال تفاحة) كم تهب من الونس والراحة فما بالك ان تكون الجامعة في جوار ومن تحت محبة عشيرة (اللوزي)
وهل اشهى من زهر اللوز في اذار واشد رونقا؟ وهي تتمدد على مساحة قررها من اسسها لتكون فوق ألف دونم بكثير تلك القباب التي تذكر بكل ما هو وقور
كانت بوابة الجامعة وكان الشهم ابو غازي بكوفيته الحمراء وعقاله المائل قليلا على اليمين اول المرحبين (وين يا شاب ؟!) بجمال دافق يطرح السؤال على طلاب السنة الاولى لأنه لم يحفظ (سحنهم) بعد ويدقق في الهوية والملامح مرة واحدة تكفيه ألا يكرر السؤال في اليوم التالي!!!
اول البهاء في الجامعة
كان كامل العسلي الحافظ لعز مكتبتها وصانع فخرها، آلاف المراجع والدوريات والمصادر ونظام للجزازات و(اسنسير) يتحكم به (عزت زاهدة) في احضار كتب الاعارة من اعلى!!! انتابني شعور بالرهبة حين داهمتني اللوحة الضخمة المذهبة تعلو ذلك الرخام الارجواني او البني لا فرق (فيها كتب قيمة) ايعقل كل هذا المبنى للكتب!؟
لقد جئت من مدرسة كانت مكتبتها تتقاسم غرفة صفية فيها ادوات الرياضة والجومنيزيوم ومواد الزراعة التي كانت تستخدم في مواد العلوم الزراعية حيث كان ابناء الريف يتلقون ذلك العلم المفيد لحياتهم، وكذلك ملابس واحذية فريق الرياضة !!!
كل ذلك في غرفة واحدة.. والان تدخل إلى عالم مكتبة الجامعة التي تشبه المطار الذي زرته اول مرة في قلنديا حين ودع اهلي اخي (سعيد) الذي غادر الى الكويت عام ١٩٦٢ م ذات الدهشة انتابتني حين شاهدت اول طائرة تدرج على مطار قلنديا حين كانت الدنيا في الضفتين (قمرا وربيعا) ثم تدلف الى معركة ضارية لم افهم ابعادها نظام الساعات المعتمدة كان قد طبق للتو على الجامعة الاردنية بأمر من الذي صنع لها هوية خارقة وتركها بعد ان وضع كتفها على كتف الجامعة الامريكية في بيروت ايام ذروتها
كان عام ١٩٧٢ عام التحولات الكبرى في الجامعة الاولى اذ طبق بالاكراه من وجهة الكثيرين نظام الساعات المعتمدة الذي لم يكن مفهوما، من الكثيرين كما ان الطامة الكبرى قد جاءت حين ارتفع قسط الجامعة الاردنية بجرة من قلم من خمسة دنانير في السنة الى ٥٠ دينارا في العام كانت المظاهرات في اليوم الاول هي بوابة التعرف على الجامعة.
مظاهرة حاشدة تطالب رئاسة الجامعة التراجع عن دفع الرسوم كان ابطالها زهير النوباني، وعوني بدر، وتاج الدين العمري، وسامية نفاع، وتريز الريان، وموفق محادين… وقفنا طلبة السنة الاولى على مقربة من مدرج سمير الرفاعي، وكانت الجموع تتحرك باتجاه رئاسة الجامعة لقد اطل عليهم الرئيس كان مهيوبا وقوي الشكيمة وغير متأثر بكل ضوضاء الطلبة، ربما انه خاطبهم بالقول ان من لا يمتلك الرسوم عليه ان يتوجه الى صندوق الطلبة ويحصل على قرض من دون فائدة ويسدد بالتقسيط بعد ان يعين في وظيفة بعد تخرجه، وقال ايضا اشياء اخرى
سرت شائعات في اليوم التالي ان اجهزة الامن قد اعتقلت العديد من الشباب ليتأكدوا من هويتهم اكتشف ان اغلبهم ابناء موظفين في الدولة او ابناء عاملين في الاجهزة الامنية نفسها ولهذا افرج عنهم لاحقا لحسن نواياهم
كان التلاق في اليوم الاول بالجامعة الاولى، نظام ساعات معتمدة غير مفهوم. ورفع رسوم جامعية ومظاهرات احتجاج وايضا فتنة ذات رهبة من ورود الجوري التي تملاء الفناء كله وحسن تنظيم وسهولة في كل شيء (الحركة، الوصول للصفوف، وجبة الاكل الرخيصة جدا في المطعم وبمواصفات رهيبة)
كان ثاني يوم في الجامعة يوم الدهشة الكبرى حين التفت الى الخلف فوجدت ان الباشا الدكتور رئيس الجامعة الاردنية، يحمل صحنه ويصطف من خلفي في الصف ينتظر دوره !!! يا الهي اي عالم انا الذي داخل اليه انه عالم عبدالسلام المجالي (يرحمه الله)..