من أهم نتائج الأزمة المالية والإقتصادية العالمية هي ما نراه اليوم من تغييرات جوهرية تطال التحولات الإقتصادية التي إختطها العالم منذ عقد على وقع العولمة والإنتقال الى الليبرالية الإقتصادية.
هناك اليوم ملامح جديدة تتشكل لنهج إقتصادي جديد يجمع بين إقتصاد السوق ودور الدولة الإجتماعي , أي العودة الى مفهوم « اقتصاد السوق الاجتماعي « وتعزيز الطبقة الوسطى, وهما لم يغيبا عن المشهد الاقتصادي في الأردن, والأمثلة على ذلك كثيرة.
الإقتصاديات العربية خصوصا كانت ولا تزال الأكثر تأثرا بهذه التقلبات , لسبب بسيط وهو أنها لم تستكمل مرحلة الإنتقال الى إقتصاد السوق حتى فوجئت بالأزمة فارتبكت , وإنعكس هذا الإرتباك في هوة إجتماعية سحيقة , تسببت في الإنفجارات الإجتماعية التي تتوالى هنا وهناك .
هناك شكل جديد يتكون اليوم لبرامج الاصلاح الاقتصادي , التي باتت بحاجة الى الإنتقال من مفاهيم تحرير السوق وعلاماته الاولى التخلي عن الدعم بكل أشكاله وفتح السوق أمام السلع حتى لو كانت المنافسة غير متكافئة وتحرير التجارة حتى لو كان ذلك على حساب الموازين التجارية , وتعظيم قدرات رأس المال الخاص حتى لو كان بشتى الطرق .
لم ترتسم بعد ملامح الشكل الجديد , لكن علاماته تبدو في العودة الى الدعم بشكل مباشر أو غير مباشر , ومن علاماته كذلك العودة الى تمتين الطبقة الوسطى كمحرك إقتصادي وسياسي أساسي يلعب دورا هاما وحيويا في تسنيد نظرية الأمن الإجتماعي .
ما سبق لا يعني أن مفاهيم تحرير السوق ستتخلى عن الواجهة , لكنها لن تكون وحيدة إذ ستقترن باستمرار بالبعد الإجتماعي وهي مهمة الدولة بعد فشل القطاع الخاص كليا في ترجمة مفهوم المسؤولية الإجتماعية , وفي إتجاه ملازم ستحتاج الدول لأن تنغمس أكثر عمقا وجدية في الاصلاحات لكن مع دور أكبر للرقابة على المال أو بمعنى اخر إجتثاث الفساد وإغلاق دوائره وتفكيك قواه وضمان أن لا تنفرد طبقة رجال الأعمال بطبقة العمال.
ترجمة هذه الطريق الى واقع سيحتاج إلى دفعة قوية أو برنامج كبير ومكثف للتغلب على عقبات التنمية ووضع الأقتصاد على مسار النمو الذاتي بمشاركة فاعلة لشرائح ذوي الدخل المحدود أو الطبقة الوسطى في العملية الاستثمارية بحفز المدخرات الوطنية وبالتالي رفع مساهمة هذه الطبقة في التكوين الرأسمالي .
اقتصاد السوق الاجتماعي هو الذي يوازن بين الكفاءة الاقتصادية وعدالة التوزيع الاجتماعي ليس بمعنى اعادة توزيع الثروة بقدرما يعني تكبيرها لتضم الشرائح المهمشة ، وكذلك الاستدامة التنموية وتحقيق معدلات نمو اقتصادي مقبولة وتخفيض مؤشرات البطالة والفقر وتوسيع قاعدة البنى التحتية وتحقيق التكامل والتناغم والتنسيق بين قطاعات الاقتصاد الوطني العام والخاص.
qadmaniisam@yahoo.com
(الراي)