في العلاقات الأردنية - الروسية (2)
د.حسام العتوم
13-09-2023 07:47 AM
المملكة الأردنية الهاشمية وبكامل موقعها الجيوسياسي الهام وسط الشرق العربي وأوسع تماما كما روسيا الاتحادية العظمى معنيتان بتوطيد العلاقات الخارجية بينهما التي هي تاريخية ثابتة مستقرة، ولن يتمكن القطب الأوحد الغربي من تفريقهما، وفي الوقت الذي يمثل فيه العرب قطبا شرقيا هاما على المستوى الاستراتيجي ، وتتجاوز مساحته 14 مليونا من الكيلو مترات المربعة، يتربع القطب الروسي على مساحة تفوق 18 مليونا منها، ونختلف نحن العرب عن روسيا بعدد السكان البالغ ( حوالي 430 ) مليون نسمة ، بينما هو في روسيا حوالي( 145) مليون نسمة ، و روسيا منذ انفكاكها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 بدأت تجذف صوب تشكيل عالم متعدد الأقطاب ، وتعي تماما حجم استمرارية الحرب الباردة الغربية ضد نهوضها التراكمي الاقتصادي و العسكري و التكنولوجي، ومع بدء عمليتها العسكرية الخاصة الاستباقية الدفاعية التحريرية بتاريخ 24/ شباط / 2022 لمواجهة التطرف الأوكراني – البنديري – و السلطوي في " كييف " العاصمة ، و تطرف الغرب الأمريكي أيضا ، اتجهت تقود أركان شرق وجنوب العالم تجاه تشكيل عالم متعدد الأقطاب محققة نجاحان معا – النصر في ميدان المعركة و في الميدان السياسي الدولي - ، يتمتع بالاستقلال وعدم التبعية ، و تنظر روسيا للأردن باعتباره دولة مستقلة ذات سيادة ، وللوطن العربي كقطب مستقل أيضا ، و تعتبر الشرق العربي الأقرب لها، وهكذا تسميه مباشرة بلغتها الروسية " بليجني فستوك " .
دراسة تطوير العلاقات الأردنية - الروسية ، والعربية الروسية، أصبح أمرا هاما في وقتنا المعاصر، ولا ننسى بأن روسيا تشكل ميزانا استراتيجيا هاما وقويا في العلاقات الدولية مناهضا لأحادية القطب ، ولقد فشلت أمريكا ومعها الغرب ، خاصة بعد اندلاع ما يسمى شيوعا ( بالحرب الأوكرانية) بعزلها عالميا، والدفع الغربي بالسلاح والمال الغربي لتصعيد الصراع الأوكراني الذي يمثل العاصمة " كييف " والروسي الذي يمثل " موسكو ظهر فشله ، والأصل أن تحاكم دوله، و تمكنت روسيا الاتحادية لوحدها أن تواجه مؤامرة الغرب عليها و توغله تجاهها، وعبر حلف " الناتو " المعادي الذي مثل 51 دولة متقدمة، ولا زلنا أردنيا بحاجة لتطوير حجم التبادل التجاري مع روسيا الذي يعادل اليوم حوالي نصف مليار دولار، ونستطيع في الاردن أن نقدم للجانب الروسي وكما لدول العالم سياحتنا الوطنية المتميزة عبر عرض أسعار تفضيلية تختلف عن دول الجوار وأبعد ، ولدينا إرث تاريخي عريق في البتراء المدينة النبطية الوردية جنوبا، ووادي رم الساحر، وفي البحر الاحمر ومرجانه، والبحر الميت الفريد عالميا بملوحته ومنظره الخلاب في الوسط ، وهو المحتاج لرفده بالمياه العذبة دائما حتى يحافظ على مكانته، وفي منطقة " المغطس " حيث تعمد السيد المسيح عليه السلام، وحيث ولد في الجوار الفلسطيني في " بيت لحم " والكنيسة الروسية ، والمتحف الديني المسيحي الكبير المنوي إقامته هناك، ونهر الأردن الخالد حامل اسم الأردن تاريخيا وبشموخ، وقلعتي ( الكرك و الشوبك ) الشامختين ، وقصور الصحراء ، و آثار جرش الرومانية ومدرجاتها، وقصر ( علي باشا الكايد ) في بلدة سوف غرب جرش، وكنيسة مار الياس في عجلون وغابات برقش، وأم قيس " جدارا في الشمال المطلة على هضبة الجولان – العربية السورية ، وحمامات ماعين وحمامات أم قيس ، ومحميات الأزرق و قصورها التاريخية وغيرهم .
والاردن بلد زراعي مهم، صحراوي وجبلي و هضاب ، و الخضار يسود وسطه وشماله ، صيفه معتدل ، وارتفاع درجة الحرارة عن منسوبها غير دائم ، وكل فصول العام فيه جميلة، وفصل الشتاء خاصة يتميز في جماله ، والثلج في الاردن ثوب أبيض جميل أيضا ، وفرصة للاستجمام به، ومنتجاتنا الزراعية هامة يتقدمها الزيتون والزيت، والخضار والفواكه على مدار السنة ، وصناعتنا في مجالات الفوسفات والبوتاس متوفرة ، ويحتل الأردن المرتبة 11 عالميا في مجال مخزون اليورانيوم ، وجامعاتنا الأردنية متميزة و تغطي رقعة الوطن، ونتميز و سط العرب باستقرارنا الأمني ، ولدينا جيشا عربيا أردنيا قويا نعتز به ، وأجهزة أمنية منيعة موقرة، وعلاقات الأردن الخارجية متوازنة تغطي مساحات الكرة الأرضية، وشعار " الأردن أولا " نعني به وطنيا التميز، والعطاء، والمحبة للجميع .
وروسيا الاتحادية غنية عن التعريف بمقوماتها الاقتصادية والسياحية والعسكرية والتكنولوجية والطبية ، وتستطيع أن تقدم للأردن وللعرب الكثير ، فالمحطة النووية السلمية الروسية- الأردنية والدولية التي توقفت يمكن إحياؤها، ولدى الروس جاهزية تشغيلها إن كانت خادمة للأردن والمنطقة من وسط عمق البحر الأحمر بقرب مدينة العقبة ، وفي منطقة دولية محايدة محمية من الأزمات والحروب، وهو ما سمعته شخصيا في مؤتمر روسي دولي في موسكو العاصمة عام 2011 ، وربط العاصمة عمان بمدينة العقبة السياحية بقطار ممكن وبالتعاون مع روسيا إلى جانب تطوير شبكة المواصلات الأخرى ، والتعاون في مجال تقوية البنية التحتية الطبية الأردنية ممكن أيضا، وفتح مجال المنح الدراسية في مختلف المجالات العلمية والمهنية مع روسيا على غرار ما كان عليه الحال إبان الاتحاد السوفيتي يمكن بحثه ، و تأشيرة " الفيزا " من الأردن وبلاد العرب الى موسكو يمكن معالجتها لتتساوى مع ما يعطيه الأردن والعرب في مجالها لدخول مطارات موسكو مباشرة، و تسهيل تسجيل الدخول إلى روسيا بعيدا عن الإجراءات البروتوكولية الحالية .
ولتطوير العلاقات الثقافية الأردنية – الروسية وبالعكس الأمر يحتاج لمعالجة توقف طائرتي " الملكية و الايرفلوت " بين عمان و موسكو عن العمل، وهو ملف معقد حاليا، ولقد حاول الجانب الروسي الدبلوماسي بعمان إطلاق اسم المفكر والسياسي الراحل الكبير ( يفغيني بريماكوف ) على إحدى شوارع عاصمتنا الجميلة عمان ، وهو الأمر المحتاج لانجاحه لمعاملة بالمثل عبر إطلاق اسم الملك الراحل العظيم الحسين بن طلال على إحدى شوارع موسكو الجميلة والمهمة القريبة من مقر السفارة الأردنية ، ويستطيع الجانب الروسي أن يكون مفيدا لنا في الأردن إلى جانب دول العالم للمساهمة في تطوير صناعاتنا العسكرية الدفاعية بشكل دائم ، و الدور الروسي السياسي والعسكري لا زال هاما في الجنوب السوري لحماية حدودنا الأردنية الشمالية من موجات الإرهاب و المخدرات .