من المبكر الحكم على نتائج الانتخابات الأميركية منذ الآن، لكن مهم أن نلحظ التفاعل الدائر حاليا خاصة داخل الحزب الجمهوري لنعرف اين تنحو السياسة الأميركية ومنظومة قيمها.
في المناظرة الأولى التي جرت بين مرشحي الحزب الجمهوري، بدا واضحا تفوق ترامب على كافة المرشحين رغم انه لم يشارك بالمناظرة. طرح ترامب الشعبوي طغى على كافة الطروحات الاخرى، وهذا يدلل على المنحى غير المريح الذي تتجه له سياسات الحزب الجمهوري، فالشعبوية أمر خطير وسرطان الديمقراطية. غالبية من يعتبرون انفسهم جمهوريين، حتى لو لم يكونوا مسجلين بالحزب، يؤيدون ترامب، وبات واضحا انه سيكون مرشحا للحزب الجمهوري أمام مرشح الديمقراطيين. الديمقراطيون بالمقابل على الأرجح سيرشحون الرئيس الحالي لفترة رئاسية ثانية حيث فرصه أعلى كونه رئيسا حاليا، وهذا ما تفعله الأحزاب عادة. بايدن ما يزال المرشح الأكثر حظوة والأرجح سينتصر على ترامب وان بفارق بسيط، نقطة ضعفه الوحيدة عمره الكبير وليس اداءه، حيث ترى الغالبية انه قام بعمل جيد في الاقتصاد وممتاز بالسياسة الخارجية والدفاعية، وما يزال يتبنى منظومة قيم سياسية توحد الأميركيين وتجمعهم على عكس ترامب.
الأجندة داخلية بحتة في الانتخابات القادمة، فالاقتصاد كما العادة سيعلو ولن يعلى عليه، والشؤون الخارجية والدفاعية والسياسية ستكون أمرا ثانويا مقارنة بالشأن الاقتصادي ومعدلات العمل والبطالة. اما بالنسبة لنا في الشرق الأوسط، فنحن منقسمون بين خليج يفضل ترامب، لأسباب دفاعية ولوقوفه بشكل أوضح بوجه إيران، وبين دول أخرى تفضل بايدن لانه لم يذهب إلى الانحياز الشديد الذي ذهب اليه ترامب في ملف القضية الفلسطينية. بايدن لم يفعل الكثير للدفع باتجاه السلام، ولكنه أصر وقوى موقف أميركا الداعم لحل الدولتين وللشعب الفلسطيني كشعب له حق تقرير المصير، ووقف في عدة محطات بوجه حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة، ويبقى موقفه أن الأطراف هي التي يجب أن تحدث السلام وجها لوجه وليس أميركا بينما الفلسطينيون والأردن كذلك يأمل بدور أميركي أكثر اقداما. بايدن أفضل لنا في ملف القضية، فهو على الأقل ملتزم بمرجعيات الشرعية الدولية، وما كان لينقل السفارة ويوقف تمويل الأونروا ويعترف بسيادة إسرائيل على الجولان.
الأميركيون من أصول عربية مسلمة ومسيحية يمتلكون موقفا لافت من الانتخابات، وهؤلاء يقدرون بحوالي عشرة ملايين أميركي. التوقعات أن غالبية هؤلاء سوف يصوتون للجمهوريين وليس للديمقراطيين. بالنسبة لهم الأجندة الاقتصادية والسياسية تتقارب إلى حد كبير بين الحزبين في هذه المرحلة، ولا توقعات بتغيرات أو فروقات كبيرة، والعامل الحاسم بالنسبة لهم هو الاجندة الاجتماعية التي يرى فيها هؤلاء الأميركيون من أصول عربية انفسهم انهم محافظون، خاصة في موضوع الاجهاض والمثلية التي تنتشر بشكل كبير وغريب في أوساط المجتمعات الغربية والأميركية. هم لا يريدون ذلك يتعارض مع قيمهم الاجتماعية والدينية لذا تجدهم سيذهبون باتجاه الحزب الجمهوري حتى لو كانوا يمقتون ترامب وشعبوياته.
أشهر مثيرة متفاعلة بانتظارنا في الانتخابات الأميركية، علينا المتابعة لنرى أثر ذلك على منظومة القيم السياسية الأميركية.
الغد