عمان سيف من عروبة .. والجامعة اول الحروف
أحمد سلامة
12-09-2023 03:12 PM
الحلقة الخامسة
احترت في الدخول إلى عمّان عبر الجامعة الاولى، ام التسرب للجامعة عبر عمّان الحب؟!.. وعمان عندي اول كل شيء، فتوكلت على الله ونويت الدخول بها اليها..
عمان مدينة ليست مثل باقي المدن التي صنعها البشر، فتركب مع أي سائق وتختلف معه في الاجرة يفاجؤك بقوله (اعرف مع مين بتحكي)!!، ويصدمك أي بائع خضار بتحليله السياسي، ويجزم لك ان بوتين على صواب، وأنه منتصر لا محالة، كما انك تجالس صحفيا بالمصادفة على طاولة طعام في (مطعم القدس) فيشرع التحدث بمجانية دون أن يسأله احد عن فساد البلد، وأنه قال للمسؤول الفلاني رأيه واحرجه!!
وعمّان مدينة القانون العشائري، حين يدب (قانص فرصة نفسه امام سيارة) فتصدمه ويدفع السائق كل أموال أقاربه بدون أي تفسير منطقي، وعمّان هي المدينة التي جئتها كان عدد سكانها على تخوم الثلاثماية ألف نسمة وأضحت حين بلغت عمر التأمل قرابة السبعة مليون نسمة !!
والسؤال هل هذه هي عمان؟!
ازعم أن أصعب (إحساس) لدى أهل عمّان إنكار فضلها عليهم….
تسأل السياسي يقول لك انا من الكرك، وتستفسر من تاجر فيباهي أنه لداوي او خليلي، والنابلسي لا يحتاج إلى سؤال فلهجته تحل معضلة انتمائه، وتسأل ضابط في الامن العام فيجيب أنه من الشمال…
لا أحد لا أحد البتة يرد جمايل عمّان ويعلن انتسابه إليها حتى السلطي الذي عاش في ربوعها عقودا، يفطن انه سلطي.
عمان.. مدينة لا تشبهها اية مدينة من مدن الامة العربية سوى المدينة المنورة.. ولحسن المصادفات، أن ملهم المدينتين في الحضارة والتقدم الدور والرسالة كلاهما هاشمي، الاول كان نبيا، والثاني كان حفيدا لنبي… أنا لا اتحدث بالسياسة، فقط ابحبش في عناصر التكوين..
عمان.. فيها ثلاث خصال او صفات شامية، مطلع الاستجابة للتكوين الهاشمي اليعربي (وردة الخبيزة، والادراج، والنظافة) والشركس لهم فيها ثلاثة ايضا (الفروسية، والكواشين (الملكية الباذخة)، والجمال) والبدو الذين احاطوا بعمان لهم ثلاثة ايضا (الجندية وانضباطيتها، والاقبال على مصاهرة الغريب بدون حساسية، والتعلق بروح التعلم والتقدم) وابناء شواطئ فلسطين لهم ثلاثة في عمان (رأسمال جسور توطن بخلق، واعمار من غير حدود لفلل باذخة، وتحويل التعليم الى صناعة تضمن الارتقاء في الحياة) ولاجئوا المخيمات التي احاطت بعمان
لهم ثلاثة فيها (رغبة جامحة في ترك المخيم والانحياز لحياة اجمل، وعمالة مهنية انجزت الكثير، ووقود حياة زودت العاصمة في كل احتياجات اليد العاملة قبل ان تصير الخدمات فيها (مصرية بحتة)…
وابناء الارياف في الضفتين من الحراوية حتى طلوزة ومن الحسينية حتى طوباس قدموا لعمان (روحها الوحدوية، واساس نهضتها الحضارية، وملامحها الناعمة…
وعلى هيئة هدايا من القدر لعمان كانت منازل ثلاث للهاشميين صنعت رونقها وحرست روحها.. كان بيت الامير طلال (الملك لاحقا) اول
(الاشراق الهاشمي) في جبل عمان.. وكان بيت الامير نايف حارس الحد بين التراث البيزنطي والنهضة الجديدة في عمان.. وكان البيت الثالث هو بيت الاردنيين اجمعين وصانع نهضتهم (رغدان العامر) الذي اختار المؤسس الفذ التسمية قاصدا بها الامل والتوقع للرغد لمن يجاوره ويواليه..
كان هذا الثالوث الهاشمي النبيل قد خطط عمان كي تكون على هيئة سمو بني هاشم..
وعلى اكناف عمان ظلل الورد الشامي والعزم البدوي والارادة الريفية، صورة مسيحية بهية جمعت اقدم فسيفساء في التاريخ بمأدبا واستلهمت من المغطس النقاء والطيب واحتفظت على هيئة وصية صورة (لكنيسة القيامة اول الصلب واول التضحية واول البخور، وراحت تراقص مغارة المهد لتصنع صبية عمان في مهد التقوى والخلق) كانت المسيحية العمانية بمذاق لا يحد ولا يقلد
انبت هذا الخليط صورة لبهاء مسترد لتجربة الحبيب المصطفى الذي رفض ان تكون لعاصمة ملكه اية شروط فنهى عن اسمها الاول (يثرب) وتركها مطلقة لكل الامة المؤمنة بالرسالة (يهودا، ومسيحيين، وعجم، ونبط، وبدو واهلها الاصلاء) لكنه حدد ان صناع الرسالة من قريش هم من سيكمل المشوار…
هل المصادفة كانت في عمان ام ان القصد الهاشمي قد انتج كل المصادفات… كان اول الضوء في عمان (شاميا / محمد علي بدير) وكان اول منسف اول الزهاء في (الكوزين الاردني) شاميا / منسف جبري.. وكان اول التعليم الذي استجاب لتحدي الارساليات التبشيرية التعليمية (مطران، تراسنطة، معمدانية، فرير) شاميا ايضا (عبد اللطيف ابو قورة، والحناوي، وبشير الصباغ) وولدت الكلية العلمية الاسلامية ليكون فيها اول ملعب دولي لكرة القدم
عمان من لا يعرف كيف اصل نشوئها كان لا يستطيع ان يستوعب عناصر ارتقائها…
هل قلت كل شيء في هذه المقدمة عن عمان ؟!
لا أظن ذلك فعمان تحتاج إلى كتب من مبدعين فقط في هذه المقدمة.. ساعرج على منشآت ثلاثة اتناول بعض خصوصياتها
الاولى: أمانة عمان / بلدية العاصمة
لقد مر على هذه المؤسسة التي اشرفت على عمّان عدة بناة، والعديد من القادة والحق ان مشواري اليومي الذي انزل فيه مع عدد من الصحاب من مكان بين الدوار الثاني، وصولا للمدرج الروماني ونعود يثير حسرتنا ذلك المنظر (المبكي) الذي يجثم على صدر عمان، (اكشاك لا لزوم لها) تلطخ واجهة اقدم مدرسة ثانوية للبنات وتحمل اشرف اسم له الفضل على كل اجيال الاردن (الملكة المرحومة زين الشرف) هذه المدرسة التي باهت بها احدى طالباتها (عايدة النجار) بكتاب مدهش بنات عمان من زمان.. لو أي مسؤول بلدي مر على باب تلك المدرسة لاحس بضرورة البكاء حزنا على تراجع (الذوق لدينا) كيف كنا رمزا للبهاء والابهة وكيف صرنا انوفا تشمشم المصالح بلا عيون تخلد الجمال..
ومن دون انحياز وددت ان اقف على عدد من رجال مروا على عمان نجوما اتخذوا من انحيازهم للجمال فلسفة في الادارة..
على رأس هؤلاء كان الاميرلاي (سعيد باشا خير) الذي حين اختاره الله الى جواره، حمل المؤسس في نعشه وقال بحزن لو اتاح جدي صناعة التماثيل لوضعت تمثالا لـ سعيد كي يتذكره يوميا كل عماني..
كان رحمه الله القاضي على الفتن والمروض لفن العمارة والمدجج لعمان بالانفة.
كذلك صدقي القاسم الذي صاغ وصنع اول تعاونية بين الدولة وتجار السوق.. كان مدرسة في جعل القطاع الخاص يتفهم مسؤلياته تجاه الوطن
كان احمد فوزي هو من اخترع لعمان معنى تسييل التقدم عبر توسيع الخدمات.. وقد فعل
اما معن ابو نوار فكان رجل قرار في توسيع معنى الخدمة للجميع،
وظلت وستظل احلام المرحوم عصام العجلوني ذاك العماني البهي ابن من تشرف بمرافقة اعز الملوك واشرفهم في المنفى (الملك الشريف الحسين بن علي) طيب الله ثراه (الاميرالاي محمد علي العجلوني) تلك الاحلام النادرة والتي اختطف الموت مبكرا صاحبها ستظل تلك الاحلام تنبئ دوما حين تذكر بنبل الارومة وعزة النسب لصاحبها..
وستبقى عمان البلدية متذكرة بجلال ودلال ذاك اليوم الماطر من ايام شباط ربما عما ١٩٨٣، حين كانت عمان على موعد مع قدرها بصدور الارادة الملكية القاضية باختيار المجدد والمثابر عبد الرؤوف الروابدة امينا على عمان..
انى اختلفت او خالفت عبد الرؤوف او وافقته او عشقته او كرهته فان عمان ستملي عليك انها اضحت من بعد الذي اؤتمن على روحها من مليكها شيئ اخر ومدينة باهية
نعم… لقد ادخل على هيئة اليقين عبد الرؤوف لعمان (النظافة) كقيمة مطلقة والخضرة كضرورة وطنية، ما لام يسبقه الى ذلك احد وايضا لم يستطع احد من بعده ان يجاريه في ذلك…
اجل… لقد تتابع على عمان من بعد عبد الرؤوف محمد باشا البشير وكان نظيفا وممدوح العبادي وكان مسيسا ومنجزا ونضال الحديد الذي ترك معلما لعمان لن تنساه قط جسر عبدون نفذه بتصميم وارادة رغم كل الاحتجاجات… لكن عمان وعبد الرؤوف قصة تحتاج الى ان ينصف الانثنان في دراسة علمية
كان الكبير عبدالسلام باشا الذي لم يبق منصبا الا واعتلاه ظل يشهر رغبته في ان يظل رئيسا للجامعة الاردنية ورغم ان عبد الرؤوف لم يقل ذلك في علاقته بالمناصب عن امانة عمان الا انني شخصيا لم ار روحه تتجلى وتنتج الابداع النوراني في كل ما تقلب عليه من مناصب
كما عمان..
اطنبت في الحديث عن عبد الرؤوف لان له في ذمتي صداقة قديمة حميمة لم تسعف الظروف كلانا التعبير عنها بما يجب لكن الامر ليس كله شخصي ان تناول الشخصيات التي اسهمت في بناء الاردن اضحت صورة من صور الضرورة الوطنية..