أثارت المعلومات حول احتمال توزير نائبين من البرلمان الحالي في الحكومة الحالية، في حال أجرت تعديلا وزاريا شهية عدد كبير من النواب، والذين ثبت أن أغلبهم لا يمانع أيضا بترك النيابة والتحول إلى وزير بأقرب فرصة، ولم لا؟ فهذه فرص لا تتاح إلا مرة كل ألف عام.
نحن هنا لا نتحدث عن الذوات الكريمة التي تمت الإشارة إليها حول احتمال توزيرهما وانتقالهما من النيابة إلى الحكومة، فلا شيء بيننا وبينهم، ولا نحاول أيضا الاستثمار في سلبيات القصة أو تثوير الرأي العام بذكاء ضدهما أو دفع صاحب القرار للتراجع عن توزيرهما تحت ضغط الحسابات المستجدة وردود فعل بقية النواب، لكننا نؤشر فقط على مناخات النواب الذي يشتهون الوزارة، بعد أن علموا أن احتمالات التوزير قائمة، وكثرة منهم تقول لماذا لا يتم اختياري أنا؟، ولدي الاستعداد لترك النيابة بطبيعة الحال، وفقا لما ينص عليه الدستور لتعزيز الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفقا للمادة 76.
هذا يكشف أن أغلبية النواب يريدون ترقية مكانتهم الاجتماعية، ولدى بعضهم الاستعداد للتخلي عن قاعدته الانتخابية التي أوصلته نائبا، وليس وزيرا، ويؤكد أيضا أن هناك مشاعر سائدة بين عدد كبير من النواب، حول ضآلة فرصهم بالعودة خلال الانتخابات النيابية المقبلة 2024، وبعضهم يريد استباق جردة الحساب الشعبية، بالقفز من سفينة النواب، لاعتبارات شخصية.
هذه شهوة حارقة، والكل يريد أن يصبح وزيرا، على أساس أن المبدأ متاح، وإذا كان بعض النواب يناكفون الأسماء المطروحة من النواب للتحول إلى وزراء ويرغبون بحرق فرصهم من باب الحسد والغيرة والضغينة، أو بهدف إثارة العواصف في وجه الأسماء المطروحة والتشويش عليها، من باب التخريب، ومنع تحولهما لوزراء، فإن هذا لا يخفي الحقيقة الأكثر مرارة هنا، أي أن كل نائب معترض على دخول زميله النائب للحكومة، يريد الفرصة له شخصيا، ولا يعترض من باب الاعتراض على المبدأ بشكل عام، أو لاعتبارات الفصل بين الأدوار السياسية.
في دورات نيابية سابقة، كان مسموحا من ناحية دستورية الدمج بين موقع النائب والوزير، وقامت حكومات كثيرة، بإدخال عدد من النواب كوزراء ضمن ترتيبات على أساس الكتل النيابية، وبالتفاهم مع شخصيات نيابية وازنة تقود المجالس النيابية، لكن الفرق الأساس اليوم، يكمن في إلزام النائب الذي يتم إدخاله وزيرا، بالاستقالة من البرلمان، وللمفارقة لم يمنع هذا النص كثرة من النواب عن إبداء شهوتهم بالتحول إلى وزراء، بل إن بعضهم ألمح إلى من حوله وحواليه إلى أنه سيتحول إلى معارض شرس خلال هذه الشهور الأخيرة من مجلس النواب، بهدف مناكفة الحكومة لعدم توزيره، وبهدف بدء المعركة الانتخابية وحملاتها بشكل مبكر.
من المؤلم هنا أن يقال إن تقاليد حياتنا السياسية، باتت بائسة، إذ إن أغلبها يميل إلى الشخصنة، وإلى صراعات المصالح، والقرب والبعد، والحب والكره، وقلة تجدها تلتزم بما يفرضه عليها الدستور، أو حتى إرث التجارب السابقة، أو حتى ما يريده من تجربته الشخصية أمام الأردنيين، أو حتى الدائرة الضيقة التي تخصه، وكأننا بتنا أمام مشهد يتم فيه تصنيع السياسة على يد الهواة فقط، وبحيث تكون حياتنا السياسية بالمجمل قائمة على أساس هلامي متحرك.
أيا كانت القرارات المقبلة، بشأن التعديل الوزاري، أي إدخال نواب أو عدم إدخالهم، فهذا شأن لا ناقة لنا فيه ولا جمل، وكل ما يهمنا ما كشفته القصة من شهوات كامنة لدى أغلب النواب بالتحول إلى وزراء أيضا، ما دام المجال بات مفتوحا، ليبقى السؤال عن السبب الذي انتخب فيه الناس هؤلاء، هل انتخبوهم للنيابة، أم للوزارة؟، وأين هي التداخلات في كل هذه القصة؟.
هذه هي عمّان أيها القوم.
الغد