يأتي معروف البخيت دوماً بعد أزمات ، واذ جاءت حكومته قبل سنوات بعد تفجيرات عمان ، فان حكومته هذه المرة تأتي بعد مسيرات عمان ، واخواتها.
في مقال البارحة ، اشرت الى ان قراراً تم باجراء تغييرات في عمان ، وتم تجاوز فكرة الظهور بمظهر "الرضوخ" للشارع نحو وصفة "الانحياز" للشارع ، وان الوصفة سوف تصل الى عدة مؤسسات ، على صعيد الاسماء والسياسات.
التغييرات ستشمل مؤسسات اخرى واسماء اخرى خلال الفترة المقبلة ، اذ اننا امام "حزمة واسعة" وغير محدودة ، على مشارف ذكرى تولي الملك سلطاته في السابع من الشهر الجاري.
تغيير الحكومة في هذا التوقيت ، يؤشر على ان مؤسسة الحكم لا تتجاوز الرسائل الشعبية ، وهذا يصب في رصيد المؤسسة شعبياً ونخبوياً ، وهذه اول مرة في عهد الملك يتم تكليف رئيس حكومة لتشكيل الحكومة للمرة الثانية ، اذ ان جميع رؤساء الحكومات السابقين شكلوا الحكومة مرة واحدة فقط ، وغادروا.
هناك انطباع في الطبقات العليا في الدولة ان البخيت في حكومته الاولى تعرض الى ظلم ما ، وان تجربته لم تنل فرصتها لاعتبارات كثيرة ، واعادة تكليفه لا تأتي على سبيل "العوض والتعويض" ، بل لاعتبارات استراتيجية اخرى ، تتعلق بأمن الداخل الاردني ، في تعريفاته المحلية والاقليمية والدولية.
الرجل لم يكن بعيداً عن الملك وعن مؤسسة القصر الملكي خلال السنوات الماضية ، وفي المعلومات انه كان يستشار دوماً بعيداً عن الاضواء ، وكان يقدم اوراقا استراتيجية حول قضايا محلية ودولية ، وكان يؤخذ بما فيها على محمل الجد.
لمعروف البخيت خط استراتيجي بشأن العلاقة مع الضفة الغربية ، ومواجهة اخطار الوطن البديل ، وهو يعد متحفظاً جداً ، وضد التيار المنفتح سياسياً واقتصادياً دون حسابات. نقاط ضعف اي رئيس حكومة تتعلق دوماً بمن سيختار الى جانبه ، وفوق ذلك القدرة على اتخاذ القرار بسرعة في بعض الحالات وتقدير كلفة اي تصرف او قرار.
من مشاكل حكومته في المرة الماضية ، نوعيات من الوزراء الذين وجدهم امامه دون رغبة منه ، ونوعيات من المحيطين به ، ممن اسهموا بعرقلة حكومته بحسنة نية او سوء نية.
الاسئلة تبقى معلقة حول مصاعب الموازنة والوضع الاقتصادي وكيف ستعالجها الحكومة الجديدة ، وهي ملفات عالقة ، بالاضافة الى ملف الموازنة والتقدم بالثقة الى مجلس النواب ، الذي سيجد نفسه امام حكومة جديدة في اقل من اسابيع محدودة،.
يذهب البعض الى القول ان الحكومة الجديدة ستحل مجلس النواب ، وهذا كلام غير عميق ، فلو كان هذا خياراً للدولة ، لتم الحل عبر الحكومة التي استقالت ، لتحميلها كل العبء في خطوة واحدة.
ربما سيتم اقرار قانون انتخابات جديد ، خلال فترة قد تستغرق عاماً ، ثم ستجري انتخابات مبكرة ، اما الحل في بحر ايام فهو غير وارد.
يرى محللون ان اعادة تكليف البخيت تعني اننا امام مرحلة حساسة جداً. السؤال يقول: لماذا اعاد الملك تكليف البخيت بالحكومة ، والاجوبة متنوعة وتصل الى حد الكلام عن وضع الاقليم كله الذي يعاني من اعادة فك وتركيب.
تجريب المجرب. هذا الصدى تسمعه في صالونات عمان السياسية ، القائمة على النميمة والغيرة والتحاسد السياسي والشخصي.
سيقرر البخيت مسبقاً مستقبل حكومته عبر اختيارات الوزراء ، وعبر رده العملي على خطاب التكليف ، واستفادته من تجربته السابقة ، وتعاون المؤسسات الاخرى معه ، واتخاذه خطوات جذرية ملبياً اسئلة الناس ومطالبهم.
تناسلت الاشاعات مساء البارحة في عمان حول حكومة برلمانية ، والله اعلم ، لاننا نطالب بالفصل والترسيم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وقيل ايضاً ان الاسلاميين قد يشاركون في الحكومة وهذا غير وارد.
الملفات التي على مكتب البخيت بحاجة الى جهود كبيرة ، والشعب ينتظر الذي سيفعله في مهمته الجديدة.
معروف البخيت ، يعود من جديد ، وهو امام مهمة صعبة جداً.. جداً.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)