لم يعد هناك أدنى شك بأن الطوفان المصري بلغ حداً لا يمكن وضع مصدات في طريقه. وليس المطلوب الأن التنظير في أسباب ومسببات انطلاق المارد، بل مطلوب مساعدته على الاستمرار خارج قمقم القمع والإرهاب .
لقد عانينا جميعاً شعب عربي ودول قطرية من خروج مصر من منظومة العمل العربي بعد اتفاقية كامب ديفيد المذلة. وتوهمت بعض الدول بأن عجلة التطور والتنمية قادرتان على السير بدون أقدام مصر. ولكن المتتبع لذلك الخروج من صف أماني وأحلام الأمة العربية يمكن أن يفهم ما تلا ذلك من انكسارات، بدأت باتفاق أوسلو شقيق كامب ديفد ،واتفاقية وادي عربة ،ودمار العراق، وخلق بؤرة توتر دائمة في لبنان ، وتمهيد الطريق لتقسيم السودان ، وإعطاء مشروعية لدوقية غزة ورام الله.
لقد رافق كل تلك الانكسارات تعزيز الشعور الاقليمي لكل دولة وتشديد القمع والارهاب وسيادة الرأي الواحد وقتل كل أشكال المعارضة . مما أدى إلى تراجع في الشعور الوطني والانتماء الوطني. وسادت سياسة الخصخصة وبيع القطاع العام ونشوء زواج متعة بين السلطة ورأس المال . والمدقق في معظم حكومات المنطقة يجد أن غالبية أعضائها من التجار ومن تبعهم من الفجار اصحاب الرغبة في الثراء السريع.
وها هي ثورة تونس قد كشفت أن الرئيس وزوجته وأصهاره وخدمهم هم من تمتعوا بخيرات الشعب، وعندما اقتربت الثورة من قطع أعناقهم تركوها نهباً للعصابات التي تربربت في عهدهم. وها هو نفس السيناريو يتكرر في مصر . فبعد ان أدرك النظام أنه فقد مشروعيته، دفع قوات القمع لتأديب الشعب ، وعندما فشل سحبهم وترك الشارع نهباً للسراق وقطاع الطرق ، وفتح السجون وأطلق سراح المجرمين .
إن ما حدث في تونس وفي مصر يدق ناقوس الخطر للحكام الذين تتأرجح كراسيهم ، وللشعوب لكي لا تتكرر تجارب التخريب والدمار . فالحكام لعبوا وهم صغار في الحارات لعبة " يا لعيب يا خريب " والمطلوب ابتكار أساليب لإخراجهم من الملعب دون تخريب .
مطلوب مساندة الشعب المصري المكلوم والمشتت في أصقاع الأرض طلباً للقمة العيش ،ومساعدته على استرداد كرامته لأنها ستجعل أمر استرداد كرامتنا ممكناً. مطلوب تعويض الاقتصاد المصري من الأشقاء القادرين عندما تسمح الظروف . ومطلوب مظاهرات عربية مليونية تأيداً لانتفاضة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً.
نحن أما مرحلة مفصلية نكون أو لا نكون . وعلينا أن لا نترك لأمريكا المرعوبة وناطقيها الرسميين فرصة التحكم بأمور المنطقة والاستمرار في سياسة الفوضى الخلاقة . وعلى الناطقيين الرسميين العرب الخروج من حالة الخرس قبل أن يصبح عاهة دائمة .