وزارة الداخلية ومضامين النهج الجديد
د.طلال طلب الشرفات
10-09-2023 12:49 PM
يبدو أن الحكومة تدرك تماماً الضرورات الوطنية والتوجيهات الملكية السامية في الاستجابة لمضامين التحديث السياسي والتطوير الإداري وأولويات تفعيل الاقتصاد وتحفيز الاستثمار، ولعل النشاط الملحوظ للحكومة في وضع تصورات واقعية وعملية وتمحيص الخطط التي تم وضعها في العام المنصرم يشي بحرص الحكومة على تقديم مقاربات منطقية قابلة للتنفيذ، وأولويات تحاكي واقع المالية العامة للدولة وتحدياتها، وسياسات وقرارات وجدت بحكم الضرورة من المهم أن لا تبقى حبراً على ورق، سيّما في ظل واقع وطني وإقليمي بالغ التعقيد.
وزارة الداخلية التقطت الرسائل الملكية والتزامات الحكومة تجاه أفق التحديث مبكراً، وعملت على تغيير الصورة النمطية للحكم الإداري القائم على المقاربات الأمنية، وانفتحت بصورة غير مسبوقة على مضامين التحديث الاقتصادي والسياسي، وقدمت إنموذجاً باسقاً في مغادرة السلوك البيروقراطي الذي يعطل الانفتاح والتطوير والتحفيز الاستثماري والتطوير الإداري، ولعل الربط الإلكتروني للإجراءات والموافقات الأدارية والأمنية، واختصار ما يمكن اختصاره منها يشكل مثالاً حياً لخدمة أطر التحديث الشامل الذي يستوجب أن تنهض بها مؤسسات الدولة المختلفة دون استثناء.
حديث وزير الداخلية الأخير للحكام الإداريين حول الانفتاح الحزبي والتمكين السياسي، وما رافقه من توجيهات حازمة؛ يعبّر عن سلوك حكومي جديد واستراتيجية إيجابية ناجزة للحكومة والوزارة على حدٍ سواء، ودليل ناصع على التزام الحكومة بدعم التجربة الحزبية للوصول إلى أتون الحكومات الحزبية ذات الأغلبية البرلمانية، وهذا يفوّت الفرصة على كل المشكّكين ورواد التشاؤم وروّاد اليأس من جدوى التجربة الحزبية وأفق الإصلاح، وأطر التحديث الشامل، ويثبت أن الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري هو التزام لا رجعة عنه.
راق لي هذا الحديث الشامل الواعي المنفتح غير المسبوق لوزيرٍ حذق واعٍ جاء كخيار متقن من المؤسسة العسكرية المعروفة بهاجسها الأمني المحافظ، ولكنه تمرّي في معالجة آثار الجوائح والكوارث إبان جائحة "كورونا"، وزير مثابر متواضع معطاء صقلت تجربته في مركز إدارة الأزمات كل أنماط وصور التفكير والقرار لديه، وأضافت إليه ديناميكية جريئة مدروسة جعلت منه مدركاً بعمق لأهمية تعزيز الاستثمار كأحدى أهم أولويات منظومة الأمن الوطني، وتبسيط الإجراءات الإدارية وحوكمتها كأولوية مهمة لخدمة الوطن، واعتبار المواطن شريكاً فاعلاً في طرد الهاجس الأمني بحوار لا يستثني أحداً، ومسؤولية وطنية لا تقف عند اختصاص.
بصراحة، يعجبني نهج وزارة الداخلية الجديد وانسجامها مع متطلبات التحديث، ويروق لي تفعيل دور الوزارة التنموي، وتخليها الكامل عن نظرية العصا الأمنية لحساب الانفتاح الاقتصادي والاستثماري والتكنولوجي، والإبقاء على سياسة جهد الضرورة في التعاطي مع الملف الأمني، ذلك أن خطاب وزير الداخلية الأخير للمحافظين - كما قلت - غير مسبوق منذ تأسيس الدولة، ويعبّر عن نهج جديد يرتقي إلى مستوى الآمال الوطنية في دولة مستهدفة في أمنها وهويتها الوطنية وإرثها واعتدالها مما يوجب على رجالاتها وسلطاتها أن تركن فوراً ودون إبطاء إلى مبدأ الاعتماد على الذات كسبيل وحيد لخدمة الوطن ومواجهة تحدياته الجسام.
نحن بحاجة إلى رجالات لا يستكبرون على الوطن، ولا ينحازون للمصالح الضيقة او خطب ود الأجنبي، نحناج إلى صوت الأرض وملحها المقدّس من نخبنا وساستنا ورجال الدولة فينا، نريد أولئك الذين يدركون معاني أمانة المسؤولية وشرفها المقدس، ويشعرون بمعاناة أهلنا وفقرائنا، ننشد مسؤولين يشبهوننا في آمالنا وتطلعاتنا وهويتنا الوطنية الأردنية الراسخة، ولا يحجبون الشمس عن قمحنا وصبحنا، وعهدنا المقدس لتاريخنا المشرق وتضحيات الشهداء منا، وأثق أن وزير الداخلية ورفاقه منهم، وعلى هذه الأرض دائماً ما يستحق الحياة.