أعاود استئناف حلقات صفحة من تاريخ الأردن في عمون بعد انقطاع دام نحو عام .....
في 25 أيلول 1984 قررت الأردن إعادة علاقاتها مع مصر كأول دولة عربية تعيد العلاقات مع مصر بعد أن قطعتها الدول العربية بعد اتفاقية كامب ديفيد 1979 ، وأعلن الرئيس محمد حسني مبارك تقديره للأردن ووصف الخطوة بأنها شجاعة ، وأوفد مدير مكتبه أسامة الباز إلى عمان وقال الباز:" نحن مدينون للملك الحسين وللشعب الأردني لهذه الخطوة التاريخية الكبيرة . وفي 9-11 تشرين الأول 1984 زار الرئيس مبارك الأردن والفت لجنة عليا بين البلدين ، واقر برنامج تعاون ، وبعد أيام من زيارة الرئيس مبارك للأردن قام الأمير الحسن بزيارة رسمية لمصر امتدت أربعة أيام . وفي الأول من كانون الأول قام الملك الحسين بزيارة إلى مصر يرافقه رئيس الوزراء احمد عبيدات ، وقد أثنى الرئيس المصري على الملك الحسين لصفاته السامية وروابطه السياسية والاجتماعية ، وعفة لسانه واحترامه للرأي الآخر ، وتاريخ الأسرة الهاشمية الناصع . وفي 18 آذار 1985 عاد الرئيس مبارك وزار الأردن ، وغادر هو والملك الحسين معا إلى بغداد لإعلان تأييد مصر والأردن للعراق في حربها مع إيران ، وبقيت العلاقات الأردنية المصرية متميزة إلى شهر آب عام 1990 عندما اختلفا تجاه الأسلوب الأمثل لمعالجة غزو العراق للكويت وكان الأردن يطالب بالحل العربي .
أما بالنسبة لعلاقات الأردن مع منظمة التحرير الفلسطينية ، ففي أيلول 1984 رغبت المنظمة بعقد دورة المجلس الوطني الفلسطيني في عمان ، ورجب الملك الحسين بذلك ، وذلك بعد الانشقاق الذي وقع في صفوف المنظمة عام 1983 وانحياز خالد الفاهوم رئيس المجس للمنشقين ، ووصل ياسر عرفات إلى عمان في 27 أيلول 1984 . وعقد المجلس بثلثي الأعضاء في 22 تشرين الثاني 1984 واختير الشيخ عبد الحميد السائح رئيسا للمجلس خلفا لخالد الفاهوم ، وقد افتتح الملك الحسين دورة المجلس بخطاب طرح فيه فكرة التقدم بمبادرة أردنية فلسطينية تجاه حالة اللا سلم واللا حرب في المنطقة .
وقد حضر جلسات المجلس الوطني الفلسطيني في عمان شخصيات سبقت لهم أعمال لا تغتفر ضد الأردن ، منهم أبو داؤود الذي حاول اغتيال الملك ، وصلاح خلف رئيس تنظيم أيلول الأسود الذي أمر باغتيال وصفي التل وجمال الصوراني وغيرهم .
وفي 11 شباط 1985 تم التوقيع في عمان على اتفاق 11 شباط للتحرك المشترك بين الأردن والمنظمة ، على مبادئ منها الأرض مقابل السلام وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ، وحل مشكلة اللاجئين ، وفي اليوم التالي سافر الملك الحسين ورئيس الوزراء احمد عبيدات إلى الجزائر ورحبت الجزائر ومصر بالاتفاق فيما رفضته إسرائيل ، ثم أرسل الأردن والمنظمة وفدا مشتركا إلى الدول العربية والدول الكبرى .
وفي آب 1985 اشترك الملك الحسين وياسر عرفات في شرح أبعاد الاتفاق إلى الزعماء العرب في مؤتمر القمة العربي الطارئ في الدار البيضاء بالمغرب ، ثم قام الملك الحسين بزيارة واشنطن ، وعند عودته طلب من المنظمة تسمية أسماء أعضاء الوفد الفلسطيني ليكونوا أعضاء في الوفد الأردني ، فقدمت المنظمة في 11 تموز 1985 أسماء سبعة أشخاص وأرسلت الأسماء إلى الولايات المتحدة ، ووافقت عليهم إلا أن إسرائيل إثارة ضجة ضد الإدارة الأميركية مما اضطرها للتراجع ، ولم يتم الموافقة إلا على اسمين هما المطران إيليا خوري ومحمد ملحم . فعقد اجتماع في عمان في 15 آب 1985 بين ياسر عرفات ورئيس الوزراء زيد الرفاعي ، أكد فيه عرفات قبول المنظمة لقراري 242 و 338 وتم إبلاغ واشنطن بذلك ، إلا أن الولايات المتحدة رفضت العرض ، فسافر وفد أردني إلى أميركا في تشرين الأول 1985 إلى الولايات المتحدة ، فوافق الأميركيون على عقد المؤتمر مشترطين اعتراف المنظمة بالقرارين وقبول مبدأ المشاركة في التفاوض مع إسرائيل ، إلا أن مقتل ثلاثة إسرائيليين في قبرص وقصف إسرائيل لمقر المنظمة في تونس .
وفي أوائل كانون الثاني 1986 وافقت الولايات المتحدة بعد لقاء الحسين في لندن مع وفد أميركي خطيا على دعوة المنظمة للاشتراك في المؤتمر الدولي ، فجاء ياسر عرفات إلى عمان على رأس وفد فلسطيني ، إلا أن قيادة المنظمة أعلنت رفضها لقبول قرار 242 ، معلقة قبولها بموافقة الولايات المتحدة على حقوق الشعب الفلسطيني ، بما فيها حق تقرير المصير في إطار اتحاد كونفدرالي مع الأردن ، فأعلنت الولايات المتحدة أنها تؤيد تلك الحقوق ، إلا أن الولايات المتحدة أرادت التفاوض في عملية السلام بدون المنظمة فرفض الأردن ذلك .
وفي 19 شباط 1986 ألقى الحسين خطابا مطولا شرح فيه نتائج الاتصالات معلنا أن المنظمة برفضها أضاعت فرصة ثمينة للسلام وإعادة الأرض الفلسطينية ، وقد كان عرفات مترددا في قراراته ومواقفه ، وقد أيد الفلسطينيون في الأراضي المحتلة مواقف عرفات والمنظمة وقامت مظاهرات ضد الأردن واحرق المتظاهرون الفلسطينيون العلم الأردني وتعرض قرار الملك لانتقادات داخل الأردن .
وقد اجتمع مجلسا الأعيان والنواب وقررا وقف التنسيق السياسي مع المنظمة ، وتوافد الشعب الأردني على الديوان الملكي مؤيدا لوقف التنسيق وان الأردن لن يكون بديلا عن الفلسطينيين ، وأيدت قوات بدر التابعة لجيش التحرير الفلسطيني وقائدها العميد نعيم الخطيب قرارات الملك الحسين . وفي 8 آذار 1986 أصدرت فتح بينا في تونس ردت فيه على خطاب الملك والقوا اللوم على المواقف الأميركية .
وفي 11-14 أيار 1986 حدثت مظاهرات وأعمال شغب في جامعة اليرموك ، أدت إلى مقتل ثلاثة طلاب أثناء المواجهة مع قوات الأمن ، وعينت الحكومة لجنة تحقيق وزارية ، وقرر مجلس التعليم العالي في 7 تموز 1986 إنهاء خدمات 15 عضو هيئة تدريس وستة إداريين في الجامعة ، واستقال رئيس الجامعة د.عدنان بدران ، وعند إلغاء قانون الأحكام العرفية أعيد الأساتذة والإداريين إلى أعمالهم .
وفي 19 حزيران 1986 تهجم المجلس الثوري لحركة فتح على الأردن واتهامها بالتواطيء مع الولايات المتحدة ، فاتخذ مجلس الوزراء الأردني قرارا بإغلاق المكاتب الإضافية للمنظمة في الأردن التي فتحت منذ عامين في الأردن ، حيث تم إغلاق 25 مكتبا من أصل 37 مكتبا تابعا للمنظمة وحركة فتح وأعطت السلطات الأردنية خليل الوزير 48 ساعة لمغادرة الأردن . فردت المنظمة بقرار لها في 20 نيسان 1987 بإلغاء اتفاق 11 شباط . فقام الملك الحسين بالتجول في أنحاء البلاد اربد والزرقاء والسلط وعمان والمفرق والكرك ومعان والطفيلة خلال الفترة من 24 نيسان إلى 18 أيار 1988 وألقى خطابات أكد فيه مواقف الأردن وانه ليس بديلا لفلسطين وأكد أن المنظمة رفضت الاشتراك في المؤتمر الدولي ضمن الوفد الأردني الفلسطيني المشترك ، إلا أن الجانبان عادا للاتصال أثناء عقد مؤتمر قمة عمان في تشرين الثاني 1987 الذي أطلق عليه قمة الوفاق والاتفاق ، وتم خلال المؤتمر إقرار مبدأ إعادة العلاقات السياسية مع مصر والمصالحة بين الرئيسين صدام حسين وحافظ الأسد بعد قطيعة استمرت 7 سنوات وتمت المصالحة بين الأردن والمنظمة وتأييد العراق في حربه مع إيران ، وقد عادت جميع علاقات الدول العربية إلى سابق عهدها مع مصر باستثناء سورية وليبيا .
وعندما اندلعت انتفاضة الشعب الفلسطيني في عام 1987 أيد الأردن الانتفاضة ودعم الأهل وشكل لجان وقدم التبرعات وفتح الأسواق لمنتجات الضفة القطاع وقد عونا ماليا لطلاب الأرض المحتلة في الأردن وخصص رواتب دائمة لأسر الشهداء الفلسطينيين ، وتألفت في عمان لجنة للتبرعات مكونة من عبد الحميد شومان والدكتور ممدوح العبادي قدمت أكثر من 8 ملايين دينار للانتفاضة والشعب الفلسطيني حتى عام 1995.
واشترك الأردن في مؤتمر القمة الخامس عشر في الجزائر من7-9 حزيران 1988، وأعلن الحسين مباركة الأردن لرغبة الفلسطينيين وأكد أن الأردن لا يريد الهيمنة على فلسطين أو إعادة ضم الضفة الغربية .
وفي 31 تموز 1988 أعلن الملك الحسين قرار الأردن بفك العلاقة القانونية والإدارية بين الضفتين أي فصل الأردن عن الضفة بعد 38 عاما من الوحدة . وألغيت خطة التنمية الأردنية في الضفة الغربية ، وذلك انسجاما مع إبراز الهوية الفلسطينية ، وحل مجلس النواب انسجاما مع قرارات قمة الرباط لعام 1974 باعتبار المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وقد عارض زعماء فلسطينيون قرار فك الارتباط مع الضفة منهم أنور الخطيب احد الزعماء البارزين مشيدا بدور الأردن الحضن الحنون للفلسطينيين بعد عام 19648 و1967 بينما بعض الدول العربية وضعت الفلسطينيين بالمعازل ، بينما رحبت قيادة الانتفاضة بالقرار الأردني . وأحالت الحكومة الأردنية جميع موظفي الضفة الغربية إلى التقاعد أو الاستيداع وإنهاء خدمات الموظفين غير المصنفين مع المحافظة على حقوقهم المالية ، وشمل ذلك قرابة 24 ألف و300 موظف .وألغت الحكومة الأردنية قانون شؤون الأرض المحتلة ووزارة شؤون الأرض المحتلة وأحدثت دائرة للشؤون الفلسطينية مرتبطة بوزارة الخارجية ، وحلت اللجنة العليا لمعالجة شؤون الضفة الغربية . وأعلن الملك الحسين أن جوازات السفر ستبقى حتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة . ووصل إلى عمان وفد فلسطيني برئاسة محمود عباس في 11 آب 1988 وصدر عن الطرفين بيان مشترك ، وظهر جليا ارتياح المنظمة لقرار فك الارتباط . وفي 20 آب 1988 أعلن الأردن أن كل مقيم في الضفة الغربية قبل 31 تموز فلسطينيا وليس أردنيا وتقرر منح جوازات سفر مؤقتة لمدة سنتين . ومن جانبها أعلنت المنظمة استقلال فلسطين في 15 تشرين الثاني 1988 ، واعترفت المنظمة بقرار مجلس الأمن رقم 242 ، وفي 2 نيسان 1989 انتخب المجلس المركزي الفلسطيني في تونس ياسر عرفات رئيسا لدولة فلسطين .
ووقف الأردن مع العراق خلال حربه مع إيران خلال الفترة 1980-1988 انطلاقا من مبدأ الدفاع العربي المشترك ، وعرض الأردن على العراق دعما عسكريا لم يوافق عليه العراق لقدرته على الدفاع عن أراضيه ووضع الأردن مطاراته وإمكاناته وموانئه تحت تصرف العراق ، وقامت سورية بحشد ثلاثة فرق على الحدود مع الأردن ثم عادت الأمور إلى طبيعتها بين البلدين . وقد أعاد العراق للأردن 12 كيلو متر من الأراضي كانت القوات العراقية قد سيطرت عليها في عهد الرئيس عبد الكريم قاسم عام 1958 ، وأعيد ترسيم الحدود بين البلدين حسب اتفاقية الحدود الموقعة بين البلدين في عام 1932 ، وأعيد الحدود إلى سابق عهدها باستثناء المطار العراقي القريب للحدود السعودية وعوض الأردن بأرض بديلة عن ارض المطار العراقي ووقعت اتفاقية الحدود الجديدة بين الأردن والعراق في 13 أيار 1984 . وفي عام 1988 زار الملك الحسين العراق للتهنئة بالنصر فقدم الرئيس صدام حسين للأردن أسلحة ومعدات غنمها من إيران من بينها 90 دبابة تشفتن و60 دبابة م/47 و19 دبابة سكوربيون و35 ناقة جنود .
سنواصل إن شاء الله حلقات صفحة من تاريخ الأردن في عمون تباعا...