في الوقت الذي يتطلب فيه تبني مسار أعمق لإزالة الكربون استثمارا إجماليا في قطاع الطاقة يصل إلى 130 تريليون دولار، فإن المكاسب الاجتماعية والاقتصادية لمثل هذا الاستثمار ستكون هائلة. حيث بين تقرير «آيرينا» أن التحول سيضاعف عدد الوظائف في قطاع الطاقة المتجددة لتبلغ 42 مليون وظيفة عالميا أي ما يفوق عددها اليوم بأربعة أضعاف تقريبا، كما سيعمل على زيادة عدد الوظائف في قطاع كفاءة الطاقة إلى 21 مليون وظيفة وتوفير نحو 15 مليون وظيفة في قطاعات العمل المرتبطة بتعزيز مرونة نظام الطاقة.
يدخل العالم في مرحلة انتقالية متسارعة ولكنها تنافسية على نحو متزايد لتحقيق الأمن بكافة جوانبه، بما في ذلك الطاقة والاقتصاد والمناخ، ولذلك، يمثل الوصول لأمن الطاقة في الأردن هدفا استراتيجيا مهما، يرتكز على تشكيل وموازنة خليط من موارد الطاقة، بحيث تكون ذات توافرية تضمن استمرارية التوليد، وبالتكلفة المثالية الأقل. وبالتالي، يمكن القول إنّ الكهرباء هي كلمة السرّ الأهم في استراتيجية الاعتماد على الذات في رؤية التحديث الاقتصادي، باعتبارها المكوّن الأهم، والأكثر تأثيرًا على تكاليف الإنتاج. وهنا نرى أن أهمية إدارة قطاع الكهرباء وأسعارها ومصادرها كانت وما تزال المكوّن الحرج في قطاع الإنتاج الأردنيّ.
قطاع الطاقة في الأردن يعاني من مصادر توليد فائضة عن حاجته في فترات معينة، دون ربطها بشكل فعليّ مع نسب النمو في الطلب الكهربائي، التي كانت قد تراجعت مع تراجع نسب نموّ الاقتصاد المحليّ، ما سبب نموًّا تضخميًّا في حجم القطاع يفوق حاجة الأردن الاستهلاكية، ما تسبب في ارتفاع تكاليف إنتاج الطاقة، والضغط على نمو قطاع الطاقة المتجددة، ومع ذلك، يبلغ معدل تكلفة جميع مشاريع ومصادر الطاقة المتجددة في الأردن مقارب لمعدل كلفة الكهرباء المولّدة من الغاز (7.7 قرش/كيلوواط)، ولكن لو أستمرت الاستثمارات والمشاريع كان من المتوقع أن تنخفض لتصبح أقل بـ91 % من أسعار المرحلة الأولى، باعتبار أنّ التقديرات السعرية لها عالميا لن تتجاوز قرشا فقط لكل كيلوواط ساعة.
تعد الاستدامة ركيزة أساسية في رؤية الأردن، وتسعى المملكة جاهدة نحو مستقبل يضمن الحياد الصفري للكربون، وتتجه المملكة بخطوات واثقة نحو مواجهة تحديات الطاقة وتغيرات المناخ، حيث تطمح لأن تمثل الطاقة المتجددة 50 % من استخداماتها بحلول عام 2030. كذلك تعمل المملكة على مأسسة التعاون بشكل أكبر بين القطاعات المرتبطة بشكل رئيسي مع قطاع الطاقة مثل النقل والصناعة والبيئة والمياه والزراعة لضمان النمو في سوق الطاقة والاقتصاد القائم عليها.
تستكشف سيناريوهات شل لأمن الطاقة كيفية تطور العالم في ظل مجموعات مختلفة من الافتراضات المبنية على نمذجة البيانات، وتحلل طرق الاستجابة المتباينة لأزمة المناخ، بين دول العالم، من منظور التعامل مع ملف الطاقة، وصنفت البلدان التي لا تنتج عادة كميات كبيرة من الطاقة، مما يجعلها عرضة لانقطاع إمدادات الطاقة وتقلبات الأسعار الدول، تحت نموذج «راكبو الأمواج»، حيث تبحث هذه البلدان عن شراكات مع الآخرين، ويحاولون الاستفادة من الفرص التي تتيحها الحلول الجديدة والمبتكرة في تحول الطاقة، وتعتبر الهند من الأمثلة التي تتبنى التقنيات الجديدة بسرعة.
إن تكثيف إنتاج الطاقة المتجددة بدلاً من الدعم هو المفتاح لخفض أسعار الكهرباء للصناعة المتعطشة للطاقة في الأردن، لذلك، لا بد من العمل على حفز الطلب على الكهرباء بتشبيك القطاعات الإنتاجية لكهربة أنشطتها، ككهربة قطاع النقل الذي يستهلك وحده ما يقرب من 49% من الطاقة الأوليّة المستوردة للأردنّ. كذلك إدخال مشاريع جديدة كسكك الحديد ومشاريع تحلية مياه البحر، سيساهم في استغلال الاستطاعات التوليدية بالطاقة القصوى ويفتح المجال لمشاريع جديدة في الطاقة المتجددة ستساهم بتخفيض معدل تكلفة الطاقة الكهربائية لما دون 5 قروش لكل كيلوواط، لينعكس على تخفيض فاتورة الطاقة للدولة، وتعزيز استغلال المصادر المحليّة، وحفز جميع القطاعات اقتصاديًّا وتقليل تكاليفها، مع التحول نحو الهيدروجين الأخضر.
مؤشرات أداء النظام المالي في الشركات والقطاعات الانتاجية لا تراعي الأثر البيئي، ولذلك لابد أن يأخذ في الاعتبار التأثير السلبي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أو التأثير الإيجابي للمنظومات الصحية، أو المساهمات التي تنتج عن تخضير سلاسل التوريد، أو أثر تحسين الوصول إلى الطاقة، وكذلك إعادة التفكير في كيفية تقييمنا لنجاح الاستثمارات بإضافة مجموعة من المقاييس التي تعطي الأولوية للقيمة بعيدة المدى لنظام اقتصادي مستدام يمكنه توفير مناخ صالح للعيش. ويتطلب الارتقاء بالحلول المناخية، وتسريع انتقال الطاقة، الى رأس المال المسرّع، ونحتاج إلى إعادة توجيه رؤوس الأموال نحو الاستثمار المستدام.
توسيع نطاق كهربة الاقتصاد سيساهم ايضا بإدخال التعرفة المتغيّرة، التي تنعكس على استهلاك المشتركين بتوزيع أحمالهم بشكل أفضل خلال أوقات النهار والليل، وينعكس على إعادة توزيع الحمل الكهربائي، وتحسين إدارة الشبكات، وتقليل نسبة الفواقد الكهربائية، وبالتالي تخفيض الحمل الأقصى أو تسطيح منحنى الأحمال (ترحيل الحمل) بحيث تتقلص الحاجة لما يسمى بوحدات الذروة، حيث ان مؤشر كثافة الطاقة في الأردن أعلى من النسبة العالمية ، ويذهب 25 % من الكهرباء هدرا، بلإضافة لذلك فالفاقد الكهربائي بلغ حوالي 14 % وهو ما يعتبر تكلفة اقتصاديّة مرتفعة جدًا.
مستقبل أكثر استدامة، يحتاج إلى خطة عمل حاسمة تحدد أهدافاً عالمية للطاقة المتجددة وتترافق مع التخفيض التدريجي للاعتماد على الطاقة التقليدية، وتعميق التعاون الدولي، وتحفيز القطاع الخاص على عقد شراكات مع القطاع العام لتوجيه الاستثمارات، ودعم تلك الأهداف بنظام مالي تحوّلي يمكنه إحداث تغيير إيجابي في كافة الجوانب الاقتصادية والإنتاجية.
الغد