الجامعة الأُردنيّة: استعادة المبادرة
أ.د. محمّد القضاة
07-09-2023 02:04 PM
العالم يتغير والمستجدات العلمية والحياتية تطال كل شيء، وجامعات اليوم ليست هي جامعات الأمس، وطلبة اليوم ليس هم طلبة الأمس، كل شيء يتغير، والتغيير سُنة الحياة، وتبقى الجامعات منارات العلم والفكر والثقافة، تتشكل بها أولى حلقات الذات والأسئلة، ومنها تنطلق الأجيال الى الحياة، وحين تقرأ عن دراسات المستقبل والمستجدات اليومية التي أتت على كل شيء ترى أنّها الحاضنة الحقيقة لنواة التجديد والاستقلال الذاتي للشباب وطموحاتهم، وحين تتحدث عن جامعات الوطن لا بد أن تقف عند الجامعة الاردنية؛ عقل الدولة وفكرها النبيل، والبيت الدافئ ونبض التجديد والتحديث في شتى الصعد التعليمية والفكرية والسياسية والاجتماعية، وهي لا تتوقف عن أداء دورها مهما بلغت التحديات وتعددت الأسئلة؛ فهي انجاز الأوفياء لبناء أجيال المستقبل، وطريق عبورهم الحضاري والعلمي الى الحياة؛ ولأنها كذلك، تعالوا نقف أمام جهودها ومحاولاتها وإنجازاتها كي ندرك أين كنا وأين أصبحنا، وكيف أصبحت حاضرة في تفاصيل الدولة الأُردنية منذ عقود ستة، نفاخر بها الدنيا أمام الجميع، لا تتوقف عن العطاء، إنها درع التغيير والتطور والتقدم.
إن استعادة المبادرة يعني قلب السكون والإفادة من كل جديد، ورفض نظرية الثبات وعدم القدرة على تجاوز المستحيل، وإنما إعادة البناء على القواعد التي أسستها، وتحتاج اليوم لشحنها من جديد بمستجدات العصر العلمية والتقنية والعنصر البشري الذي يجب أن يبادر ويتحرك من جديد؛ فلا يجوز للمحاضرة أن تستمر على النمطية التقليدية، ولا بد من تجديد شكلها وأسلوبها إلى محاضرات تفاعلية يشارك فيها الطلبة من داخل المحاضرة وخارجها؛ خاصة ان قاعات المحاضرة الذكية غدت جاهزة ومتاحة في المجمعات العلمية كافة، وهو ما يحفز الجميع على إستعادة المبادرة لبناء منظومة تعليمية منافسة ليس داخل الكليات والجامعة، وإنما على مستوى الاقليم والمنطقة، بحيث تكون التجارب التعليمة والبحثية لأساتذة الجامعة متاحة للجميع داخل الجامعة وخارجها مع ضرورة الحفاظ على ملكيتها الفكرية للجامعة الأردنية .
والمستقبل يحتاج مداميك صلبة، وقواعد ثابتة، وافكارا خلابة، ورؤية تنظر الى المستقبل من زوايا متعددة، فلا مستقبل دون تعليم قوي، ولا مستقبل دون شباب مسلح بالفكر والعلم والمعرفة، ولا نجاح دون خطط مدروسة أساسها الحداثة والأصالة والاحتراف والمهنية العالية والأخذ بالمستجدات العلمية والمبادرة في التغيير واحداث نقلة علمية في الخطط الدراسية، وتجاوز النمطية والآراء السلبية.
والمستقبل أساسه تعليم رصين ومهارات تدريبية عالية، مستقبل أجيال تعيش في فضاء واسع غدا قرية عالمية لا تفصلها الحدود أو القيود، وتحارُ لكيفية الإجابة عن أسئلة المستقبل في ظل تنامي الذكاء الصناعي والثورة الصناعية الرابعة بمعطياتها وتجلياتها وتحدياتها الرقمية، ومدى انعكاساتها وآثارها البعيدة على الأسئلة؛ إذ لا يمكنُ لواحدِنا أنْ يتجاهلَ ما يحدثُ في عالَمِنا اليومَ مِنْ تحوّلاتٍ وتغيّراتٍ تستندُ إلى التكنولوجيا الرَّقْمِيّة؛ فقد صِرْنا أمامَ جيلٍ مِنَ الطابعاتِ ثلاثيّةِ الأبعاد، والربوتاتِ الذكيّة، والحواسيبِ المتطوّرةِ وغيرِها مِنَ الابتكاراتِ التي تَضَعُنا أمامَ تحدّياتٍ تعليمية جَمّة، إذا أردنا اللحاقَ بركبِ العلمِ والحضارةِ على مختلف الصُعد العالَميّة.
وتتلمس الجامعة الأردنية هذه المستجدات والتحديات والفرص التنافسية وكيفية الخروج من الاطر الموضوعية الى عالم أوسع أساسه التجديد والتغيير والتطور والتنافسية والجودة والحاكمية الرشيدة؛ خاصة أن الجامعات المتقدمة ترفض السكون والثبات؛ وأنما تجدها تبحث عن التحديث والرقمنة والافادة من كل التجارب الناجحة في محيطها وفي دول العالم المتقدم، وغدا خيار التعليم عن بعد أساسيًا بعد جائحة كورونا في العالم كله، وغدا التراجع عنه ضرباً من المستحيل، وعند قراءة واقع التعليم عن بعد في الاردن ترى أنّ الجامعة الاردنية كانت السباقة والمبادرة في وضع الاسس والتعليمات الناظمة التي اعتمدتها سياسات التعليم العالي برمته فيما بعد.
وبعد، ها هي الجامعة الاردنية تستعيد زمام المبادرة بإحياء ثقافة التجديد على المستويين العلمي والبنية التحتية التي تساعد على تقديم كل جديد ومنافس، والأمل بشباب المستقبل، خاصة أنها تقود سياسية جديدة في مختلف المستجدات التي تحتاجها العملية التعليمية التعلمية على مستوى الاقسام والافراد اساتذة وطلبة، وتراها تعقد الورشات العلمية والاجتماعات اليومية والخلوات التي تعرض فيها كل المستجدات والانجازات والمعيقات لإعادة المبادرة في كل حقل يرفع من سوية الجامعة والتنافسية الدولية، مما ينعكس على الاستاذ والطالب في الوقت نفسه، وعلى السمعة الاكاديمي وسمعة التعليم العالي برمته.
المستقبل يحتاج قراءة المستجدات بعيون مفتوحة، وعقول تؤمن بالتغيير، وقلب السكون، لوضع خطط قابلة للتنفيذ، يترجمها فريق من العلماء والأساتذة، معنيون بتقديم الجديد في مجالات تخصصاتهم للطلبة، والجديد يحتاج وعي بالمستجدات، وقراءة المستقبل بعمق وفكر مفتوح، لإحداث التغيير المنشود في حياة الأفراد والمجتمعات، وهذا لا يتم دون ثورة علمية وأكاديمية وإدارية بيضاء، وهو ما تقوم به الجامعة بهدف تغييِر السكون والروتين، وها هي تكسر حواجز الصمت، لإعادة الروح والمبادرة والألق للعمل الأكاديمي، على اساس من الصراحة والجرأة والحوار الحر المفتوح بين اطراف الجسد الاكاديمي، وزرع الثقة وثقافة الأمل والاحترام، وبناء جسور العلم والجد والاجتهاد على قاعدة أنّ الجميع عليه مسؤولية المشاركة في صنع قرار تشاركي، ينعكس في العملية الأكاديمية والبحثية والتدريسية، وما يترتب عليه من مخرجات تؤسس لجودة عالية، وتغيير الصور النمطية للجامعات، والامل ان يقرأ الجميع داخل الجامعة وخارجها ان احداث التغيير لا يتم بين يوم وليلة؛ وانما يحتاج الى سهر ومبادرات وعمل دؤوب ومشقة وقبول وجهات النظر المتعددة، لكي نقطف في نهاية ذلك السمعة العلمية الرفيعة.
mohamadq2002@yahoo.com