الإمارات والفضاء .. إنجازات متلاحقة وفرص اقتصادية واعدة
محمد كامل العمري
06-09-2023 06:38 PM
تتزامن عودة رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي إلى الأرض مع تقدم الرؤى الإماراتية على كافة المستويات؛ خاصة المتعلقة بالتنمية المباشرة للموارد البشرية بما يؤهل دخولها إلى سوق العمل لا سيما في ظل التنافسية الشديدة التي تشهدها الأسواق العالمية، وذلك ضمن رؤية حكومية تستهدف تعزيز البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية بالكوادر المحلية، حيث ساهمت، على سبيل المثال، برامج التعليم المتقدم، والمرافق الخدمية المريحة المتوفرة في المراكز والبنى التعليمية، في إنشاء جيل إماراتي يؤمن بالأساسيات العلمية في حل كافة القضايا المستجدة التي تواجهها القطاعات المعرفية والإنسانية.
ضمن هذا الإطار، كونت الإمارات رؤية خاصة لحجز مقعدها ضمن القوى العالمية الساعية لاستثمار الفضاء، حيث بدأت مساعي دولة الإمارات عندنا التقى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- مع فريق وكالة ناسا المسؤول عن رحلة أبولو. ومنذ ذلك التاريخ لم تدخر الإمارات جهداً في توفير بنية تحتية قادرة على تحقيق طموحها في الوصول إلى الفضاء، وتمثيل العرب في كونها أول دولة عربية تستطيع تحقيق ما سعى العرب له خلال عقود طويلة.
اليوم، تضاف رحلة رائد الفضاء سلطان النيادي إلى سلسلة النجاحات المتلاحقة في دولة الإمارات؛ والتي تكونت بفعل الإصرار الإماراتي على دخول نادي الكبار، ليس فقط بتوظيف الموارد بشكل صحيح بما يضمن للأجيال القادمة نفس مستويات الرفاهية الحالية، بل أيضاً عبر استكشاف عوالم الفضاء بما يساهم ذلك في تقدم الإنسان، سواء على المستوى الاكتشافات العلمية أو عبر استعمار الكواكب، حيث يمكننا في هذا السياق أن نذكر، أيضاً، بدور مهمة "مسبار الأمل" إلى كوكب المريخ التي تحققت بالتزامن مع مرور خمسين عاماً على قيام الاتحاد الإماراتي.
ولأن قافلة النجاح لا بد أن تكون مليئة بالتشكيك أو التقليل، فإن الواقع يؤكد أن الإمارات في الوقت الحالي تركز على اقتصاد الفضاء من باب تنويع التنافسية، والتأثير على جاذبية الدولة الإماراتية عبر تعزيز حضور الشركات التقنية العالمية لما بتوفر لديها من بنية تحتية وبشرية متقدمة على باقي دول الشرق الأوسط. إضافة إلى تدشين مرحلة تعنى باستقطاب المواهب العالمية، الأمر الذي يعزز البنية المحلية بكافة أنواع المستجدات العلمية.
أما بخصوص الكلام المتكرر حول جدوى برامج الفضاء الإماراتية، فلعلنا، ضمن هذا السياق، نتذكر الكلام الذي قيل حول مشاريع الإعمار والإسكان في دولة الإمارات، وكيف أن المشككين حاولوا الإيحاء بعدم جدوى تلك المشاريع نظراً لتكلفتها العالية. وطبعاً الناظر إلى حال الجمال المعماري في مدن الإمارات يعلم علم اليقين أن كل تلك الأقاويل لم تكن صائبة، وأن الاستثمار الكبير في البنية التحتية انعكس إيجاباً على مردودات قطاع السياحة.
إن المقولات المشككة في المشاريع العلمية الإماراتية تختفي تماماً عند مناقشة أزمات الدول الأخرى، لا سيما في الوقت الذي تحاول فيه كثير من دول المنطقة لملمة أزماتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وعلى الجانب الآخر، تجاوزت الإمارات كل ما قد يؤثر على تقدمها العلمي والاقتصادي، على الرغم من لغة العدمية والتشكيك في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لما يتمتع به قادة دولة الإمارات من سمات شخصية راقية ساهمت في توفير ما أمكن من سبل النجاح للمواطنين الإماراتيين، دون الالتفات كثيراً لما قد يؤخر عملية التقدم العلمي في الإمارات أو حتى محاولة عرقلة التغيير الإيجابي بحجة عدم التصادم. وبالتالي تقديم الاعتبار لمواكبة التطور وتوطينه محليا، سواء كان على مستوى ربط الاقتصاد الإماراتي بالعالم المتقدم، أو عبر تقديم نموذج عربي متحضر يقدم صورة إيجابية عن منطقة الشرق الأوسط.
وعلى أساس ذلك نستطيع القول إن النموذج العلمي الذي تقدمه دولة الإمارات بات يفرض نفسه على الساحة الدولية، حيث شهد قطاع الفضاء استثمارات كبيرة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، فضلاً عن تواجد شركات وكيانات كبرى تعنى بأبرز العلوم والتكنولوجيا الخاصة بعلوم الفضاء. وتعتبر صناعة الفضاء واحدة من القطاعات الواعدة بل وركيزة أساسية للنمو الاقتصادي المستدام، إذ بلغت نسبة الشحن والخدمات اللوجستية الخاصة بهذا القطاع حاجز ال٣ مليار. مما يعني مزيداً من الفرص الاستثمارية، وتأثيراً متصاعداً للقوة الناعمة الإماراتية.