أزمة أنموذجية للدرس السياسي
ناهض حتر
24-07-2007 03:00 AM
الأزمات الخدمية تحدث في أحسن الدول، بسبب الإهمال والتقصير ـ مثلما هو الحال في تلوث مياه الشرب في منشية المفرق ـ أو بسبب طارئ طبيعي كالثلوج والفياضانات والأوبئة ألخ لكن الفارق يكمن في قدرة الإدارة الحكومية على معالجة الأزمة بسرعة وكفاءة، وينجم عنها ، حتما، تسديد فواتير سياسية ، قد تكون باهظة أحيانا، من قبل المسؤولين عن الأزمة.والمسؤولية ، هنا، سياسية بامتياز. وعندما يتعلق الأمر بصحة وحياة المواطنين، تكون ، كذلك، أخلاقية وشخصية. وفي البلدان المتحضرة، فإن المسؤول عن أزمة خدمية تتسبب في إيذاء الناس، يبادر الى الإعتذار الى الرأي العام والإستقالة، وربما الى الإنتحار. كما يبادر الإدعاء العام الى تحويل المسؤولين الى التحقيق. في هذه الحالة يطمئن المجتمع الى سلامة البنى السياسية والأخلاقية والقانونية في الدولة ، ما يضمن أن الأزمة عابرة، ولا تنال من الأسس المتينة للحياة الوطنية.
المبادرة الحكومية البدهية التي لم تحصل في منشية المفرق ، هي إعلان حالة الطوارئ في المنطقة المنكوبة، ووقف استعمال المياه الملوثة فورا، وتسخير امكانات الإدارة لتزويد المواطنين بالمياه الصالحة للشرب ، وحصر المشكلة ومعالجتها.
ما حدث أن الحكومة استجابت للأزمة ببطء وتلكوء واسترخاء، بينما كان عديد المصابين يتزايد، وكأن حياة مئات المواطنين لا تشكل حالة طوارئ! وكأنه على الفقراء أن يواجهوا مصيرهم ، وينقذوا أنفسهم بالقليل الذي بين أيديهم ، متحولين ، هم أيضا، الى استهلاك المياه المفلترة الباهظة التكاليف بالنسبة الى ميزانيات الأسر في منشية المفرق.
لم يبادر وزير المياه الى الإعتذار والإستقالة، ولم يقله رئيسه ، ولم يتحرك الإدعاء العام، والأسوأ: أن الحكومة لم تشعر ، ولا تشعر بأنها إزاء أزمة سياسية ومسؤولية أخلاقية.
وهذا يدلنا على أن التكنوقراط لا يصلح للمواقع السياسية. التكنوقراطي والإداري يتعاملان مع المواطنين و المجتمع والرأي العام من موقع الوظيفة، وليس من الموقع السياسي بالتزاماته المعروفة. وهكذا ، ينصرف الوزير المعني الى تبرير المصيبة ، والإنشغال بالدفاع عن الذات ، في ظل مجلس وزراء لا يتقيد بنص ومعنى دستورية المسؤولية الجماعية للحكومة، و لا المضمون السياسي للولاية العامة.
ينبغي ، بالطبع، أن لا يمر هذا الفشل الحكومي من دون حساب سياسي، من استقالة الوزير المعني الى استقالة الحكومة. غير أن ذلك لن يفيدنا إذا جاءت حكومة جديدة من الطراز نفسه ، أي حكومة اداريين وتكنوقراط . فالحل هو بالعودة الى الحكومات السياسية ، المشكلة من سياسيين معروفين، سواء بالوسائل البرلمانية التي نفضلها أو حتى بالوسائل الأردنية التقليدية.
الفشل المتكرر لحكومة الدكتور معروف البخيت في إدارة الملفات والأزمات، لا يعبر عن فشل أعضائها، ولكن عن فشل هذا النمط من الحكومات التي تعوزها الخبرة والحساسية السياسية، وتنتهي ، بالتالي ، بعد العجز عن صيانة المكانة الدستورية للحكومة وولايتها العامة، الى الغرق في شبر ماء!
كانت هناك مشكلة معروفة في مياه منشية المفرق، حفظتها وزارة المياه بسبب عدم توفر الأموال ! وهو ما يطرح قضية سياسية اجتماعية تتعلق بأولويات الإنفاق على مستوى الدولة والمجتمع . فكم من أموال جرى هدرها ، في هذه النة المالية، على كماليات ، كان بعضها القليل كافيا لتلافي إمراض وتهديد حيوات مئات المواطنين، وكم من ملايين أنفقها \" موظفون\" على توسيع حدائقهم المنزلية! كان جزءا منها كفيلا بدراسة ومعالجة دزينة مشاكل صحية وبيئية.
ملاحظتنا الأخيرة تتعلق بتراجع القوة السياسية للمحافظات. ذلك أن شكاوى أهالي المنشية ونائبهم ، لم تؤد سوى الى حفظ الملف. كذلك ، فان التباطوء في التعامل مع الأزمة دليل آخر على ضعف الثقل السياسي للمنطقة المنكوبة. ومع ذلك ، نجد أن هناك مَن يطالب بخفض التمثيل النيابي للمحافظات !! ألا ترون أن المناطق المحرومة والمهملة تحتاج الى مضاعفة تمثيلها السياسي ، للحفاظ على الحد الأدنى من حقوقها؟ و لن ننسى ، بالطبع ، السؤال عن صوت ممثلي المفرق .. ولماذا هو خافت الى هذه الدرجة؟ و هل لذلك علاقة باشتراطات الحصول على المقعد النيابي؟؟