المبادرة السياسية الأردنية في سوريا والسيناريوهات المستقبلية
د. عبدالله حسين العزام
05-09-2023 07:34 AM
يعد الصراع على السلطة السياسية في سوريا، والذي انطلقت شرارتها الأولى من محافظة درعا جنوب سوريا في آذار من العام 2011، والذي بدأ بصورة احتجاجات سلمية عارمة في عدد كبير من المحافظات السورية لمدة أشهر، ولكن مع فشل نظام الأسد وسوء تقديره في التعامل مع جماهير الشعب السوري السلميين في ذلك الوقت، ولجوئه إلى استخدام القوة ضد قمع المظاهرات، ما لبث الصراع إلا أن أخذ منحنى العسكرة واستخدام السلاح والعنف ضد المدنيين السوريين حتى يومنا الحاضر، الأمر الذي أدى الى انسداد آفاق الحلول السياسية، وخصوصاً بعد أن دخلت عدداً من القوى الدولية في مشهد الصراع الدامي وتحديداً تدخل حزب الله اللبناني وبمباركة إيرانية في الشأن السوري، وكان ذاك التدخل بمثابة دعامة أساسية لنظام الأسد في مواجهة قوى المعارضة السورية بحيث أصبح إلى حزب الله دوراً في بقاء نظام الأسد في السلطة طيلة الفترة السابقة، كما عمل التدخل الروسي في الصراع السوري دفاعاً عن نظام الأسد، إلى تعقيد الواقع السياسي.
في الوضع الراهن، سوريا بمثابة دويلات مقسمة فيها على الأقل خمسة جيوش أجنبية على الأقل وميليشيات شيعية وقواعد أجنبية، لا تسيطر دمشق على غالبية حدودها وأجوائها، ولا يزال أكثر من نصف السوريين خارج منازلهم وثلثهم خارج بلادهم، مقابل دعم طهران وموسكو لنظام الأسد ووجود قواتهما العسكرية في سوريا، بالمقابل هناك وجود عسكري غربي بقيادة أميركية وعقوبات وعزلة على دمشق وقرار بعدم المساهمة في الإعمار قبل تحقيق حل سياسي وفق القرار الدولي 2254، إذ تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تشكيل وإنشاء نظام الحكم في سوريا بما يحفظ أمن إسرائيل بالدرجة الأولى، ويضمن استمرار المصالح الأمريكية في المنطقة على وجه العموم، بينما يسعى الشعب السوري إلى إعادة الحياة العامة وإعادة بناء الدولة السورية والانتقال الى نظام سياسي جديد يضمن الأمن والاستقرار والسلام.
ونظراً إلى انسداد آفاق الحل السياسي في سوريا، اتبع الأردن مطلع العام 2017 حلولاً دبلوماسية للحد من الصراع جنوب غرب سوريا على حدوده الشمالية، من خلال محادثات جمعته مع روسيا والولايات المتحدة واسرائيل، على أمل أن تفتح استراتيجية روسيا خفض التصعيد وعودة الامن والاستقرار في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء الجنوبية، وتحقق المراد حينها.
ومن ناحية أخرى تريد الحكومة الأردنية منع امتداد حالة انعدام الأمن من سوريا وفي حين أن التطبيع أحد سبل تطبيق ذلك فإن الدفاع الاستراتيجي الأساسي للأردن هو تعاونه الأمني المستمر وشراكته مع القوات الامريكية بما في ذلك قاعدة التنف داخل سوريا على الحدود الشمالية الشرقية في سوريا، ويهدف الأردن من الوجود الأمريكي المستمر الى درء تركز الميليشيات الشيعية على حدوده ولكن مع التطبيع، سيدفع الأسد الدول العربية، بما في ذلك الأردن، لمعارضة وجود الجهات الفاعلة الاجنبية، بالنسبة للأردن يعتبر هذا الموقف مفيداً وإيجابي عندما ينطبق على القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية في سوريا، لكنه يمثل تحدياً لدعمها للقوات الأمريكية.
وفي العام 2018 قاد الأردن جهوداً دبلوماسية لإعادة سوريا الى جامعة الدول العربية، وتعزيز قبول سوريا في المجتمع الدولي، علاوة على تخفيف الآثار الاقتصادية السلبية التي خلفتها الحرب على اقتصاد الأردن وأمنه، وهنا وقف الأردن على مسارين أساسين الأول التطبيع مع نظام الأسد والمحور الثاني الأمن الوطني، فمن ناحية يريد الأردن انهاء الأعمال العدائية في سوريا ووقف تدفق المخدرات إلى اراضيها وتمهيد الطريق لإعادة تأهيل البنية التحتية في سوريا حتى يتمكن اللاجئون من العودة إلى ديارهم، وفعلياً نجح الأردن في إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية في السابع من أيار عام 2023، ولعل الغارة الجوية التي تم الابلاغ عنها عن أحد أباطرة المخدرات في جنوب غرب سوريا في الثامن من أيار العام الجاري 2023 وهي الاولى من نوعها للمملكة تستنتج أن هناك تعاون كبير بين الأردن وسوريا، وكان ذلك بعد يوم واحد من قرار عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، لكن الجهود الدبلوماسية لوقف تدفق المخدرات إلى أراضيه لم تنجح حتى اللحظة وكما يجب أن يكون.
الأردن فعلياً أطلق مبادرته السياسية والدبلوماسية في سوريا المدعومة عربياً بشكل رسمي في أيار من العام 2021 لإيجاد حل للحرب في سوريا، كون البلدين يرتبطان بأطول حدود مشتركة تمتد لأكثر من ثلاثمائة وخمسة وسبعون كيلومتراً تقريباً، كما من شأن أي حل سياسي أن يوقف تداعيات أكثر من عشر سنوات من الحرب كموجة اللجوء السوري وتهريب المخدرات، والتهديد الأمني الذي تمثله الميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا، عدا عن عودة تدفق البضائع وانتعاش الاقتصاد المتبادل عبر معبر نصيب جابر بين البلدين الذي طاله الضرر والتعطل لسنوات.
وشملت المبادرة الأردنية، المدعومة من العرب، والتي نوقشت كذلك على الصعيد الدولي، ثلاثة مراحل بدءاً من الجانب الإنساني ثم العسكري ثم الأمني، وانتهاء بالبعد السياسي النهائي، فيما حددت المبادرة ثلاثة مراحل للعمل دون ذكر جدول زمني عام والتي تشمل المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، وتتعلق بالمعتقلين والمفقودين، وعودة اللاجئين والنازحين، أما المرحلة الثانية فتتعلق بإيران والمخدرات، ومرحلة ثالثة ذات بعدين داخلي تتحدث عن المصالحة والإصلاح وآخر بعيد يركز على انسحاب القوى الأجنبية وإعادة الاندماج السياسي.
ونصت المبادرة بشكل حرفي على أن الإجراء المطلوب هو "إيجاد حل شامل وإنساني وسياسي على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254"، وذكرت أن الجميع متفقون ويقصد هنا الأطراف الخارجية المعنية على خمس نقاط: الأول “لا يوجد حل عسكري لإنهاء الأزمة" ثانياً: "تغيير النظام ليس هدفا فعالا" وثالثاً: "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 هو أفضل وسيلة للمضي قدما" والي ينص على أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد دعا لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية على أساس دستور جديد، سيما وأن الوضع الحالي يسبب معاناة إضافية للسوريين ويقوي المعارضين وأخيراً أشارت المبادرة إلى أن تقليل التدخل أو تأخيره سيؤدي إلى عواقب قد يكون من الصعب تغييره."
على أرض الواقع هناك تحديات جسام أمام نجاح المبادرة الأردنية السياسية في سوريا، ويمكن ايجازها في نوعين:
الأولى تحديات داخلية على المستوى الداخلي السوري وتتمثل بالآتي:
الأول: رفض الشعب السوري حكم الأسد بعد عمليات سفك الدماء على مدار 10 سنوات ونيف.
والثاني، استمرار واتساع نطاق الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بإسقاط الأسد عام 2023، إذ تشهد 7 محافظات سورية منذ منتصف آب الماضي – 2023 وحتى يومنا الحالي احتجاجات شعبية عارمة ضد نظام بشار الأسد شملت كل من محافظات إدلب وحلب (شمال) ودير الزور والحسكة والرقة (شرق) ودرعا والسويداء (جنوب) و رأس العين التابعة للحسكة، وتل أبيض في الرقة، وجسر الشغور وكفرلوسين التابعة لمحافظة إدلب.
والثالث: الانهيار الاقتصادي، والرابع: إعلان الإضراب العام في المحال التجارية والمؤسسات الحكومية والتعليمية ، والخامس: امتداد غضب الجماهير السورية في المناطق الساحلية المطلة على البحر المتوسط، وهي معاقل أقلية الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، حيث أطلق نشطاء مؤخرا دعوات نادرة للإضراب والتغيير السياسي، أما الأمر السادس: فيتمثل في العائلات السورية المنكوبة و المشتتة داخل سوريا وخارجها جراء جرائم نظام الأسد، وسابعاً وأخيراً استمرار سيناريو الأمن والمخابرات هناك المتمثل في الاعتقال السياسي.
والثانية التحديات الخارجية وتضارب المصالح الدولية والتي تقف عائقاً أمام فرص نجاح مضامين المبادرة الأردنية وتتمثل بالاتي:
الأول: حزب الله والميليشيات الشيعية ويتمثل ذلك في الدور المتغير لحزب الله والميليشيات مطلع العام 2018، بعد أن تمكن نظام الأسد من ضمان بقائه واستعادة السيطرة على عدة مناطق استراتيجية في جميع أنحاء سوريا، تمت استعادة حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا، من الثوار في كانون الأول 2016، وبعد عام أي في كانون الأول 2017، انهارت دولة الخلافة التي أعلنها داعش بعد أن فقد أكثر من 90% من مواقعه في العراق وسوريا بحسب ما ذكرته تقارير اعلامية أجنبية، وبين شباط وحزيران عام 2018، وسعت هجمات ريف دمشق وجنوب سوريا سيطرة الأسد نحو الجنوب، وتعني تلك التطورات نهاية المعارك الكبرى في الحرب السورية ، في حين تم تأجيل تحديد مصير محافظة إدلب شمال غرب البلاد ومناطق شرق الفرات إلى المستقبل.
ومع انتهاء المعارك الكبرى السابق ذكرها، تغير دور الميليشيات العسكرية المدعومة من إيران، وبالتعاون الوثيق مع الحرس الثوري الإيراني، وأخذ حزب الله اللبناني يركز على جوانب عدة أبرزها تعزيز نفوذه عبر الحدود اللبنانية ومحاولة التسلل الى المناطق الجنوبية في سوريا، القريبة من الحدود الإسرائيلية، فيما تحولت الميليشيات العراقية المدعومة من ايران الى التركيز على السيطرة على المناطق الحدودية السورية مع العراق، وخاصة معبر القائم البوكمال الحدودي، أما بالنسبة للوكلاء السوريين فقد حاولت ايران تسهيل اندماجهم في الجيش السوري، لتأسيس نفوذ طويل الأمد في القطاعين العسكري والأمني في سوريا، كما عملت ايران على تجنيس المقاتلين الأفغان والباكستانيين وعائلاتهم، ونقلهم الى المناطق الجنوبية من سوريا بالإضافة الى ضواحي دمشق، بغرض اجراء هندسة استراتيجية لضمان نفوذ ايران على المدى الطويل في تلك المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية.
أما التحدي الثاني أمام المبادرة الأردنية فيتمثل في أنشطة إيران الدينية والاجتماعية والاقتصادية والعلاقة بين الأسد والشيعة في إيران و التي تعود إلى السبعينيات وليس مع إندلاع الثورة السورية عام 2011، ويمكن وصف العلاقة بين طهران ودمشق بأنها علاقة هيمنة استراتيجية، ما يعني أن هناك تغلغل ايراني في الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية في سوريا سيما من خلال انتشار الايدولوجية الشيعية الاثني عشرية أكبر طائفة شيعية، من خلال المعاهد الدينية والمؤسسات الأكاديمية وقاعات التجمع الخ ، بينما يظهر النفوذ الاقتصادي الايراني من خلال مبادرات مثل مشروع الاسكان”ماروتا سيتي” في منطقة بساتين الرازي في ريف دمشق.
أما التحدي الثالث فيتمثل في المصالح الروسية في سوريا، لعل من أبرزها الأول: بيع الأسلحة، حيث أن العمليات الروسية في سوريا وعمليات استعراض الأسلحة من طائرات وصواريخ وأنظمة عسكرية يعتبر دعاية للتصنيع العسكري الروسي، والثاني الحفاظ على المصالح الاستراتيجية، حيث يبعث الرئيس فلاديمير بوتين رسالة للعالم والغرب تحديداً بتدخله في سوريا مفادها أن روسيا لا تزال قوة يعتد بها على الساحة الدولية، ورفضه السياسات الغربية المتمثلة في تغيير النظم السياسية مثلما حدث مع نظام صدام حسين ونظام معمر القذافي، وأخيراً وليس آخر حماية مصالح روسيا في سوريا، حيث إن لدى موسكو مصالح اقتصادية وعسكرية كبيرة في سوريا وخصوصا القاعدة العسكرية التابعة للبحرية الروسية في مدينة طرطوس، والموجودة هناك منذ فترة الاتحاد السوفييتي!.
وأخيراً المفاوضات بين تركيا ونظام الأسد والتي تنخرط موسكو وطهران فيها والتي من المستحيل أن ترى النور، وتقف عند نقطة آلية بناء الثقة والأولويات السياسية، سيما وأن الأسد لديه موقف متشدد من حيث أن المفاوضات يجب أن تبدأ بالانسحاب التركي من الشمال الغربي أي من محافظة إدلب وأرياف حلب وصولا إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين في سوريا، علاوة أن الجماهير السورية هناك من المستحيل التصالح مع الأسد بأي شكل من الأشكال، ما يعني أن تركيا إذ أحدثت فراغ هناك فسيؤدي إلى موجة جديدة من اللاجئين لا تستطيع تركيا استيعابها، في حين أن المجتمع الدولي لا يريد رؤية موجة جديدة من اللاجئين أو أي مذبحة جديدة تصنعها قوات الأسد هناك.
ختاماً يمكن القول أن التنبؤ بمستقبل الصراع السوري يعد أمراً معقداً نظراً لنفوذ القوى الدولية وتضارب المصالح وتدخلها المباشر مثل ايران وروسيا لان معظم من دخل وانخرط في الصراع سواء الى جانب المعارضة أو الى جانب النظام له أهداف واجندة خاصة به يسعى الى تطبيقها وليس لمصلحة الشعب السوري وانهاء الصراع، إلا أنه يمكن طرح سيناريوهات في ظل المعطيات والمؤشرات الحالية من الثلث الأخير من العام 2023.
وبناءا على ما سبق يمكن إيجاز السيناريوهات المستقبلية للصراع 2024-2025 في ثلاثة سيناريوهات لا رابع لها وهي:
1. سيناريو عدم نجاح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254: ويأتي ذلك في ضوء ضعف تنفيذ بنوده على أرض الواقع منذ العام 2015 وحتى الآن نتيجة استمرار تعنت نظام الأسد مستعيناً بروسيا وإيران، اللتان تدركان أن الحل السياسي سيؤدي إلى زوال نظام الأسد، وهذا بدوره سيكون بمثابة ضربة قوية لمصالحهم، ما يعني استمرار الصراع وانسداد أفق الحل السياسي.
2. سيناريو سقوط نظام الأسد: يعد سقوط الأسد بمثابة انفراجه سياسية للجماهير السورية من أجل إعادة بناء دولتهم ونظامها السياسي الجديد، كما يعد سقوط الأسد بمثابة سقوط إلى حزب الله وبالتالي الحد من النفوذ الإيراني على الأراضي السورية.
3. سيناريو التقسيم: مع التدخل الروسي في سوريا من الممكن ان تتجه سوريا نحو التقسيم من حيث تحتفظ سوريا بدولة الساحل العلوية، فيما اسرائيل تطل على الجولان من دون نزاع او مضايقات دولية، وايران عبر حزب الله تعمل على تجميع قواتها للحصول على جزء من الاراضي السورية باقتطاع كامل القوس المحاذي للبنان من القصير الى القلمون وريف دمشق الغربي وصولا الى القنيطرة حيث توجد قواته في هذه المناطق وهي مناطق قريبة من بيئة الحزب وقد جرى افراغها سكانياً على مدار سنوات الصراع كما عمل حزب الله على تأسيس بنية خاصة في هذه المناطق من خلال تجنيده السوريين في القرى الشيعية او السفح الشرقي لجبل الشيخ و التي توافقه ايران عليها، فيما ان ما تبقى من داعش وجبهة النصرة تتقاسم مع المعارضة دولة الشام السنية، وتركيا تبحث عن منطقة عازلة لمواجهة احتمالية نشوء دولة كردية مستقبلاً!!.
أخيراً وبناءاً على ما سبق ومع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وبدء تطبيع العلاقات مع الدول العربية، وانطلاق المبادرة الأردنية العربية في سوريا، قال الأسد في حوار تلفزيوني عبر شاشة سكاي نيوز قبل أسابيع، أن علاقات سوريا مع العرب لم تتغير في العمق، وأوضح هناك بداية وعي عربي لحجم المخاطر التي تؤثر على الدول إلا أن العلاقات لم تصل إلى مرحلة الحلول وطالما لا توجد حلول للمشاكل فإن العلاقة ستبقى شكلية، الأمر الذي يعني أن الأسد لا يزال متمسك في سردية الانتصار على المؤامرة الكونية!..