حقا ان الصحافة مهنة التعب والكد ، لمن أراد ان يكون نزيها وصادقا في عمله ، ويٌحكم ضميره فيما يقول ويكتب ، فهذه المهنة عندما أطلق عليها العاملون بها مهنة المتاعب لم يبتعدوا عن الصواب .
فالصحفي مطلوب منه ان يقول كلمة الحق وان ينطق بها فهو كالرسول لا يستطيع ان يكتمها وان كتمها فهو إثم قلبه أو شيطان اخرس وما اكثر الشياطين هذه الأيام وما اكثر دروبهم .
لقد انغمست في هذه المهنة- منذ خمسة عشر عاما -وخبرت دهاليزها وخفاياها وتعلمت من فنونها وأساليبها وعلمت بان الصحفي كخبر الشعير أو كالراقصة بالنسبة للسياسي يمدحها فقط عندما يجلس تحت رجليها وكذا خبر الشعير يأكل ويذم.
والبعض خاصة من الساسة وصناع القرار يريدون الصحافيين مزمرين مطبلين ليس الا ، فان طبلوا بما يروق لسمعهم رضوا عنا وان لم نطبل بطبالهم غضبوا علينا, فالصحفي مطلوب منه اليوم ان يكون منافق - ساكت عن كلمة الحق ناطق بغيرها وان فعل ذلك فتحت له الأبواب ورضي عنه الساسة وكبار القوم وإلا فانه يصبح من المغضوب عليهم أو الضالين عن حب الوطن .
اعلم ان كلمة الحق صعبة وان النطق بها أو كتابتها ليس امرأ سهلا ولكنها واجبة القول حتى وان غضب المارقون من حب الوطن أو صاح المتنفعون أو ضج المنافقون أو قال القائلون بان فلان صبا عن حب وطنه .
حقا ما اتعب هذه المهنة لمن أرادها منبرا للحقيقة ولمن أرادها كشفا للمستور وتبينا للحق وما أحلاها وانفعها للمستنفعين ان أرادوها مهنة للتكسب ومكانا للزرق غيرالحلال وطريقا للغنى ومنبرا للابتزاز ، أنها مهنة قال عنها الحق جلا وعلا بأنها مهنة الغاوون الا لمن اتقى فاللهم لا تجعلنا من الغاوون .
وقد ينغمس الواحد منا في شهوات النفس الإمارة بالسوء وقد يضل عن الطريق يوما لكنه لا يضل كثيرا ان كان مشاء في الحق ومتربيا على دروب الإيمان ، فالحق أحق ان يتبع وهو الادوم والأنفع رغم انف الكارهين ورغم زيف المدعين ورغم إغراءات المتنفذين وإما الزبد فيذهب جفا وإما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.